شعار قسم مدونات

حكومة بعقلية مخفر شرطة

blogs - حكومة مروك
خرجت للوجود الحكومة التاسعة عشر في تاريخ المغرب، حكومة بعنوان واحد عريض هو: عودة وزارة الداخلية لإدارة البلاد وإعادة بسط أذرعها من جديد داخل المؤسسات الكبرى في البلد والتحكم في صنع الجزء الأهم من قراراتها وسياساتها، بما يشكل إيذانا بعودة عهد "بصرنة" الدولة من جديد.
بنسبة مئوية كبيرة إذا يمكننا التسليم أن في الخامس من أبريل 2017 تم إغلاق قوس الإصلاح السياسي في المغرب، لتعود معه الأمور مرة أخرى للطريقة "البنعليوية" في إدارة البلد، وتعود الأمور معها من جديد إلى النهج الذي برع فيه القصر ويأمن له في إدارة البلد، وهو المنطق "البصريوي" للسلطة، حيث وزارة الداخلية الذراع الطولا للقصر هي اللاعب المركزي والرئيسي في إدارة كل أمور البلد الأساسية.

ولو كان لتوصيف للحكومة الجديدة فلن يكون أحسن من القول بأنها حكومة "مكافئة خدمة" لمخزن وزارة الداخلية، كتقدير وعرفان له على حسن إدارته لسفينة "سلطة القصر" إلى بر الأمان، وهو ما يعد مهمة انتحارية في فترة كان سقوط رؤوس الأنظمة في دول عديدة بالمنطقة بمثابة موضة كادت أن تعصف بهم جميعا.

تشكلت الحكومة على هوى الملك ومن يخدمه من تلك الأحزاب الأراجوزية التي دفعها للواجهة بما يوحي على أن الأشياء فعلا تسير بمنطق سليم وبريء، لذلك لا غرر أن نجدها حكومة تعبر عن إرادة القصر بالدرجة الأولى ونخب خدام الدولة بدرجة ثانية والنخب الممخزنة والمدجنة بدرجة ثالثة، مع غياب العنصر الأساسي والأهم وهو الرغبة الشعبية.

العدالة والتنمية وجد نفسه أمام الأمر الواقع وهو أن ما أخذه بقوة "الإرادة الشعبية" في 2011 سيرجع بطريقة أو بأخرى لمن كانوا هم الكل في الكل قبل هذا التاريخ، لكن هذه المرة سيعود بقوة "الإرادة المخزنية"، والدستور في ذلك لا يحمي المغفلين.

قد يرى البعض أنه من اللاعدل ومن الإجحاف الكبير الحكم على الحكومة الجديدة، لكن لا نعتقد أن الأمر يحتاج إلى كثير ذكاء ليجد المرء أنها حكومة بنيت أصلا على باطل منذ اليوم الأول لتنصيبها.

المبالغة في تقدير القوة ربما، وسوء تقدير للحالة مع مكر ودهاء الطرف الآخر، كلها أمور جعلت الحزب يجد نفسه في حالة من التيه والضياع جعلته يعيش أسوأ أزمة في تاريخه، فلا هو استطاع أن يقول لا ويخرج مرفوع الرأس من وحل ومستنقع سياسي غير سليم بتاتا لممارسة وتطبيق برنامج قيل إنه لمحاربة الفساد، ويكون بذلك خرج بأقل الأضرار الممكنة وأوقف نزيف التنازلات تلو الأخرى وتلقي الإهانات بعد الأخرى بما أفقدته جزءا كبيرا من احترام فئات عريضة من هذا الشعب الذي كانت تنظر إليه كقائد مخلص.

ولا هو كان قادرا على قول نعم صريحة لمن هم يعتبرون الورثة والملاك الوحيدون لهذا البلد، على الأقل كان لينال هو الآخر نصيبه من كعكة الحظوة التي ينالها عادة أقرانهم من الأحزاب والنخب المجدنة الأخرى التي فهمت اللعبة كيف تسير هنا. ليجد بذلك نفسه على حين غرة يتلقى الصفعات من الشعب على الخد الأيمن ومن المخزن والقصر ليدلوا دلوه هو الآخر في ذلك على الخد الأيسر.

أما عن عودة جناح وزارة الداخلية بقوة إلى واجهة صنع القرار كان تحصيل حاصل ونتيجة حتمية لمسلسل المهادنة والتنازلات الأقرب في حالات عديدة إلى الخنوع والخضوع التام، وذلك بحجة وداعي "مصلحة البلد" التي أضحت جملة يتم بها تبرير كل الخطايا والذنوب السياسية في هذا البلد.

قد نتفهم ركون حزب العدالة والتنمية للدفاع والتقوقع ضمن نطاق محدد للتحرك رغم السلطات الكبيرة التي منحه إياه الدستور، وذلك لو سلمنا بوصفة وشعار "الإصلاح في ظل الاستقرار" الذي رفع الحزب منذ توليه السلطة، لكن كيف يمكننا تفهم السكوت على ما يقع الآن في ظل تملص الطرف الآخر من مسؤوليته في هذا الشأن، والأكثر من ذلك مشاركة الحزب الكلية وعن طواعية في عملية الشرعنة بما يبدو أن الأمور فعلا تأخذ منحاها السليم كما يجب، وليس أننا أمام حكومة ممسوخة لا لون ولا طعم مع استثناء بمميز وحيد وهي أنها حكومة بعقلية مخفر شرطة.

حكومة برائحة غدر وخذلان للإرادة الشعبية، مع مفارقة واحدة تجمع كل التيارات على هذا الممسوخ الجديد وهي حكومة اتفق الجميع على شيء واحد فيها، هو أنها بدأت والجميع يدرك أنها حكومة لن تتم ولايتها.

فصحيح أن القصر باعتباره ضامن عملية الإصلاح التي بوشرت في البلد من 2011 يتحمل الجزء الأكبر من مسألة النكوص الحالي في العملية الانتقالية، ويمكننا القول على أنه لم يلتزم فيها بما تعاهد به مع الشعب في دستور 2011، وبالتالي فأي تهديد لمصلحة الوطن الحقيقية فهو من يتحمل مسؤوليته، لكن الصحيح كذلك أن حزب العدالة والتنمية يتحمل جزؤه هو الآخر من تلك المسؤولية عندما لم يحترم تعهده مع الشعب بحماية واحترام صوته.

قد يرى البعض أنه من اللاعدل ومن الإجحاف الكبير الحكم على الحكومة الجديدة، لكن لا نعتقد أن الأمر يحتاج إلى كثير ذكاء ليجد المرء أنها حكومة بنيت أصلا على باطل منذ اليوم الأول لتنصيبها، فحكومة لم تحترم ذلك المواطن المسكين الذي آمن وصدق فعلا أننا نعيش تغييرا في عقلية من يديرون البلد، وأنه فعلا بإمكان تلك الورقة التي وضعها على الصندوق يمكن أن تحدث ذلك التغيير الذي يرجوه، لا يمكن التعويل ولا المراهنة عليها في أي شيء.

حكومة بلا لون ولا طعم، مع رائحة مميزة تزكم الأنوف وهي رائحة غدر وخذلان الإرادة الشعبية، ومع مفارقة واحدة عجيبة تجمع كل التيارات على هذا الممسوخ الجديد وهي حكومة اتفق الجميع على شيء واحد فيها فقط، هو أنها بدأت والجميع يدرك أنها حكومة لن تتم ولايتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.