شعار قسم مدونات

جنةٌ تُبشَرون بِها

blogs السماء

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (255)  كم تجتاحني الرغبة أحيانا لأغوص في أعماق تفاصيل الجنة ونعيمها، أن أترك نفسي لتعيش حقا تلك الحياة، بعيدا عن تفاهة ما نحياه في واقعنا وبعيدا عن هول المآسي التي نلقاها.. في رحلتي نحو تفاصيل الجنة.

 

أول ما أبدأ به هو تخيل رحمة الله.. إن أكثر ما يسر قلبي عند الحديث عن رحمة الله، هو أنه عندما ينادي الله العبد الصالح ويبدأ بالتكلم معه يقول جل جلاله: يا فلان أتذكر يوم كذا يوم فعلت كذا وكذا، فيقول العبد: نعم يارب، حينها تأتي رحمة الله في الرد: إني سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم.. فادخل الجنة. يا الله أي رحمة تلك!

 

ومن ثم أنتقل إلى درجات الجنة ومراتب النعيم فيها، يتبادر إلى ذهني أنً آخر رجلٍ يدخل الجنة له مثل أغنى ملك في الدنيا ولكن بعشرة أضعاف.. فما بالك بالذي هو في درجات أعلى. أنًى لي بعد ذلك أن أترك نفسي لأهواء الدنيا الفانية؟ أن أحرمها من لذة ذلك النعيم الأبدي!  أنًى لي ألا أقوم الليل والنهار لأقوي علاقتي مع الله؟
 

إن العبادة لم تكن يوما ثقلا على أكتافنا ولم تحرمنا من التمتع بأمور الدنيا. العبادة مطلب عظيم يجب أن يقابل بجهود توازيه بالعظم للحصول عليه، هي حاجة بشرية تسمو بالروح وتهذب النفس، هي طريق للجنة، طريق للنعيم السرمدي

لا أنكر أنني أنجر وراء شهوات الدنيا الفانية بين تارة وأخرى، فالعبد مهما سعى سيبقى للذة المعصية ما لا يمكنه مقاومته في بعض الأحيان، إلا أن الأهم من ذلك أن يملك العبد مفاتيح تقويم ذاته، أن يعرف كيف يروض نفسه في خضم تلك الحرب.  فمثلا بالنسبة لي.. فإن معرفتي لرحمة الله من خلال الأحاديث القدسية تعطيني أملا بالعودة إلى جادة الصواب وتنفض عني غبار اليأس من ترك أي معصية اعتدت على فعلها.

بالأخص عندما صادفني أحد الأحاديث التي يخاطب فيها عز وجل عباده فيقول: (من أقبل علي تقبلته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، ومن ترك لأجلي أعطيته المزيد، ومن أراد رضاي أردت ما يريد، من صفى معي صافيته، ومن أوى إلي آويته، ومن فوض أمره إليه كفيته، ومن باع نفسه مني اشتريته، وجعلت الثمن جنتي ورضاي.) أيُ أمل زرعته في نفسي يا الله!  وفي حديث آخر يقول جل جلاله: (أنا عند ظن عبدي بي) لذلك ظننت وأيقنت أنه سيغفر لي ذنوبي وسيتقبل ندمي وتوبتي، فهو التواب الرحيم، كما قال صلى الله عليه وسلم (الندم توبة).
 

وبعد الحديث عن الرحمة والتوبة، تتوق النفس لمعرفة الثواب المنتظر، فأذهب بها لنتخيل مقتطفا مما وعد الله به عباده، إن الله سبحانه وتعالى سيخاطب أهل الجنة وهو فوقهم، إذ يسمعون النداء يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحي على زيارته فيقولون: سمعا وطاعة. وينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجائب قد أعدت لهم، يستوون على ظهورها مسرعين.. حتى إذا انتهوا إلى الواد الأفيح الذي جعل لهم موعدا وجمعوا هنالك، فيأمر الله بكرسيه فنصب هناك ونصب لهم منابر من لؤلؤ، ومنابر من فضة، ومنابر من ذهب، يجلسون على كثبان المسك.

 

حتى إذا استقرت بهم مجالسهم فإذا بنور سطع لهم أشرق لهم الجنة، فيرفعون رؤوسهم فإذا بالله سبحانه قد أشرف عليهم من فوقهم ويقول: السلام عليكم يا أهل الجنة، فيردون التحية وينادي.. أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد فاسألوني، يجتمعون على كلمة واحدة (أرنا وجهك ننظر إليه) فيكشف الله الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره، ولولا أنه الله ما كتب على أهل الجنة بالأذى لاحترقوا من نوره.
 

اقرأ دائما عن الجنة، املأ تفاصيلك بها، اجعل جسدك يقشعر لذكرها ويرغب بها، علً الحديث عنها يستحضر في النفس تفاهة الدنيا واستحقار الذنوب، اسع لها وعوِد نفسك على العبادة الصادقة

ولا يبقى أحد في ذلك المجلس إلا وحاضره ربه محاضرة، فيا للذة الأسماع بتلك المحاضرة، ويا لقرة العيون بالنظر إلى وجهه الكريم. يا لعظمة ذلك الثواب، ويا لفرحة من ينال هذا الشرف العظيم! أيمكن للعقل أن يتخيل مرتبة أعلى من هذه؟ أيمكن للنفس ألا تسرً بذلك الوعد المنتظر! تراني حينها أردد ما كان يردده الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيقول: (اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم). اللهم نفسي تتوق لوعدك المنتظر، اللهم اجعلني من عبادك الصالحين، اللهم ارض عني واقبل عملي وتوبتي.

اقرأ دائما عن الجنة، املأ تفاصيلك بها، اجعل جسدك يقشعر لذكرها ويرغب بها، علً الحديث عنها يستحضر في النفس تفاهة الدنيا واستحقار الذنوب، اسع لها وعوِد نفسك على العبادة الصادقة، واعلم أن العبادة لم تكن يوما ثقلا على أكتافنا ولم تحرمنا من التمتع بأمور الدنيا. العبادة مطلب عظيم يجب أن يقابل بجهود توازيه بالعظم للحصول عليه، هي حاجة بشرية تسمو بالروح وتهذب النفس، هي طريق للجنة، طريق للنعيم السرمدي، فاللهم اجعلنا من عبادك الذين يدخلوها بسلام آمنين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.