شعار قسم مدونات

احزموا الأمتعة.. نسافر إلى إسبانيا

blogs - Andalos

كنت أظن أني سأكون أقدر على التدوين حول الأندلس بعد عودتي من إسبانيا، وجدتني على النقيض، مكبلة بعجز غريب تحتبس معه المفردات في مدادي، أصبحت خجولة من نشر كل ما يرتبط بهذه البلاد التي لطالما ارتحلت معها بين طيّات الكتب، لكني مع ذلك أدفع نفسي اليوم دفعا للكتابة في سلسلة حول زيارة إسبانيا وفق تجربتي الصغيرة هذه، علّها تكون ذات وقع إيجابي لكل التوّاقين لرحلة مماثلة.

 

يصطحب الناس معهم في السفر غالبا شعور مسبق بالدهشة والانبهار، وفي حالة إسبانيا على الأرجح لشخص مثلي فإن الأمر مضاعف، تسبقه أيضًا الكثير من الرهبة والخوف والقلق.. ماذا لو أصبت بالخيبة؟ كنت عاشقا متيما على موعد مع فتاته الجميلة الحزينة التي عرفتها من وراء ستار، أعجبني صوتها وأخذني سحرها وأبكتني آلامها ثم ها أنا فجأة ماثلًا أمامها في لحظة تجلى بلا حجب.. أستعيد مع وجهها تفاصيل الذاكرة المتخمة وأنا أقلب ناظري لهفة لاكتشاف ملامحها الغائبة في السطور، أدمج هذه بتلك عليّ أكمل الصورة. 

 

في الحقيقة أنا نادمة، نادمة جدًا لأني لم أقم باستئجار عربة خاصة بي أقودها بين المدن، كنت أخشى الوحدة في المسافات الشاسعة لذا لجأت للخيار الأول، رغم أن السفر بالعربة في حدّ ذاته متعة أنصح بها في حالة السفر لتلك البلاد

سأكتب في تدوينات متتابعة كافة انطباعاتي في مسار الرحلة، لكن قبل ذلك سأدون هنا مقدمة صغيرة تتعلق ببعض الحيثيات التي قد يسأل عنها كل مسافر إلى إسبانيا بشكل عام، ثم سأدلف تدريجيًا إلى التفاصيل.

 

في الحقيقة لم تتح لي زيارة إسبانيا لأكثر من أسبوعين، لذا اخترت أن تأتي هذه الفترة الزمنية تزامنًا مع ذكرى تسليم غرناطة آخر ممالك الأندلس في شبه جزيرة آيبريا. هذا يعني أني سأسافر في موسم زخم الأعياد.. الكريسماس ورأس السنة الميلادية ومعاهدة التسليم، الكثير من المعالم ستكون مغلقة بلا شك، قصبة مالقة مثلا لم أتمكن من زيارتها لهذا السبب.

 

الشتاء القارص وإغلاق المعالم كانت هواجسي إلى جانب الرهبة. لكني مع ذلك حرصت على السفر للحاق بتظاهرة الثاني من يناير، هل أنصح إذا في زيارة إسبانيا في هذا الوقت من العام؟ أفضل زيارتها في بداية الربيع أو بداية موسم الشتاء، أما صيفا فقطعا لا أنصح.. إسبانيا دولة سياحية صاخبة في المقام الأول لذا فإن صيفها خانق، والحرارة قاتلة وقد تصل إلى 45 في قرطبة مثلا، بالإضافة للرطوبة المرتفعة وازدحام المزارات. 

 

في سفري لا أقيم في فنادق بل في منازل، أستخدم تطبيق Airbnb الشهير، وفيه أستطيع استئجار غرفة منفصلة ضمن منزل عائلي، وفي هذه الحالة أنا لن أقوم بتوفير مبلغ الإقامة فحسب لصالح الهدايا التذكارية، بل سأتعرف عن قرب على ثقافات جديدة من خلال الاحتكاك بأصحاب المنازل، في أغلب الأحوال تتحول هذه الاستضافة إلى معرفة وطيدة.

 

الموقع يتيح لزواره قراءة مراجعات وتقييمات الزوار لدى المستضيفين بأمانة ودقة عالية، وعلى هذا الأساس قمت بانتقاء أكثر من نزل بعد تتبع لما كتبه المقيمون قبلي.

 

اخترت في مدريد منزلا بسيطا جدا في الحي العربي القديم تسكنه عائلة مهاجرة من البيرو، أما في قرطبة اخترت الإقامة لدى عائلة من كولمبيا يكمل ربّها الدكتوراه في الاقتصاد التاريخي، وفي عاصمة إقليم الأندلس إشبيلية أقمت لدى سيدة برلمانية إسبانية شديدة الثقافة، وفي غرناطة التي زرتها مرتين، أقمت في بيت عتيق داخل حيّ الهجارس بالبيازين مطلْ على قصر الحمراء، صاحبة المنزل شابة متمردة من الباسك. سأخبركم عن كل منهم بالتفصيل لاحقًا، ما يهمني الآن هو أن تكلفة إقامتي في الليلة الواحدة لم تتجاوز الـ 15دولارا فقط.

 

اعتمدت في ترتيب رحلتي على قراءتي الشخصية وبحثي الخاص، تواصلت مع الأصدقاء حسب تجاربهم السابقة، واستشرت أهل الاختصاص والمقربين المقيمين هناك. الرحلة إذا كانت من ترتيبي وتعاونهم وليس عبر مكتب سياحي، في الحقيقة لا أعلم لماذا يتجه الناس للخيار الأخير سوى لقلق مبالغ فيه أو كسل غير مبرر.

 

لن يسعكم الوقت للوقوف طويلا في الأسواق لذا احملوا أهم ما تحتاجونه مما يكفل راحتكم فقط، الكاميرا ودفتر ملاحظات وحذاء رياضي مريح، قرص من الفيتامينات لتعويض نسيان الأكل في حضرة الدهشة

ماذا عن وسائل التنقل؟ تتوفر في إسبانيا جميع وسائل المواصلات، الباصات الداخلية والخارجية، المترو والقطار، الطيران والتكاسي بطبيعة الحال.. وفي بعض القرى تتوفر البغال والخيول!

 

في التنقلات الداخلية بين المدن يمكنك أيضِا استئجار العجلات أو "البسكليت" بطريقة بسيطة مشروحة عند مواقفهم تربطك بشبكة كبيرة سهلة، وتؤجر العجلة بمبلغ زهيد حسب الساعة أو الأيام.

 

أما بالنسبة لحجوزات التنقل بين المدن بالقطار، فيفضل استخدام هذا الموقع أو هذا الموقع والذي يوفر تذاكر قطار لكافة الدول الأوروبية والمدن الداخلية فيها، أما بالنسبة للحافلات بين المدن فيمكن حجز التذاكر عبر هذا الموقع بنفس الطرق المعتادة. بطبيعة الحال أنا كنت مسافرة في موسم أعياد لذا قمت بكافة حجوزاتي قبل أكثر من شهر لضمان المقعد وتجنبًا للمغامرة.

 

في الحقيقة أنا نادمة، نادمة جدًا لأني لم أقم باستئجار عربة خاصة بي أقودها بين المدن، كنت أخشى الوحدة في المسافات الشاسعة لذا لجأت للخيار الأول، رغم أن السفر بالعربة في حدّ ذاته متعة أنصح بها في حالة السفر لتلك البلاد، التوقف بين المدن، تتبع القرى الإسبانية البيضاء.. المرور على الباعة في الطرقات.. تأمل بهجة الأماكن والمزارع والقلاع.. إسبانيا متحف مفتوح، كان من الأفضل اتخاذ هذا النهج وكسب وقت إضافي بدلًا من الارتباط الملزم بجدول تنقلات مقطوع. على أية حال لمن لا يود خوض المغامرة فليتبع الاقتراح الأول.

 

صحيح بالمناسبة، هناك مدن لا يتوفر فيها خط القطار في هذه الأوقات كغرناطة مثلا التي أغلقت فيها المحطة منذ أمد طويل وسيعود افتتاحها بعد التجديدات قريبا. وفي هذه الحالة ستستخدم أكثر من وسيلة تنقل للوصول إليها من وجهتك برًآ.

 

ماذا حملت في حقيبتي؟ تقريبًا لا شيء، أنصح بحقيبة صغيرة لوضع الأوراق الثبوتية وأخرى فارغة لتعبئتها بالهدايا والتذكارات، أنتم في رحلة اكتشاف فيها الكثير من التنقلات، لن يسعكم الوقت للوقوف طويلا في الأسواق لذا احملوا أهم ما تحتاجونه مما يكفل راحتكم فقط، الكاميرا ودفتر ملاحظات وحذاء رياضي مريح، قرص من الفيتامينات لتعويض نسيان الأكل في حضرة الدهشة، ربما علبة سكاكر صغيرة حتى لا نقع على الأرض من الدوار. هذا يكفي إذا، فلنستعد للانطلاق!

 

اخترت في رحلتي الأولى زيارة خمس مدن أساسية وهي مدريد، طليطلة، غرناطة، قرطبة، إشبيلية. حسنًا.. أين ذهبت في هذه المدن؟ ماهي المزارات والمعالم السياحية؟ ما أسماء المتاحف؟ ماذا عن انطباعاتي؟ كيف أصفها؟ ماذا أقرأ قبل الزيارة؟ ماذا عن المطاعم والوجبات المناسبة؟ سأحاول استحضار كل ذلك وأكثر في التدوينات القادمة.. تابعونا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.