شعار قسم مدونات

وأنتِ كيف تشعرين؟

blogs الأمومة

شاركتنا اليوم أختي التي تعيش في لندن، ورقة من المشفى التي ولدت به قبل شهر، يسألوها عن حالتها النفسية بعد الولادة. تبدأ الورقة بالسؤال هل ولدت مؤخرا؟ نحب أن نعرف كيف تشعرين. ذكرتني هذه الورقة بـ "أبي" الذي بعث لي رسالة ثاني يوم ولادتي صباحا يقول بها "صباح الخير.. كنت امبارح حلوة".

 

يا الله كم فرحت، فرحت ببراءة أبي الذي لا يمكن أن يخفي مشاعره الأبوية عنا، فرحت أنني لم أتوقع هكذا رسالة منه، وهو الذي أشعرني أنني أهم فتاة بالعالم بذلك الوقت، كادت فرحتي برسالته تفوق فرحتي بولادتي، وأنا التي بين كل الألم الذي كان يعتريني أشعرتني هذه الكلمة أن أبي لم يسعد فقط بإنجابي، ولم تقتصر فرحته أنني جعلته جداً للمرة الثالثة، بل فرح بالجمال الذي رأني به، بالجمال الذي ربما كان بعينيه هو فقط، أشعرني أنني إنسانة قبل أن أكون أي شيء أخر. لم أكن منتبهة أنني أريد فعلا دعما معنويا يبدأ من أصغر الكلمات الى أكبرها، ولم أكن اعرف أن هذه الكلمة جعلتني لا أدخل بأي مرحلة من مراحل الكآبة بعد الولادة التي كنت أقرأ وأسمع عنها.

 

نحن الأحوج في مجتمعاتنا لمثل الدعم المعنوي، لأننا شعوبا تُمارس علينا ضغوطا اجتماعية تكاد تفوق قدرة البشر جميعهم. كم امرأة أنجبت في الحروب والملاجئ ولم يكترث بها حتى نفسها؟ كم نحتاج نحن النساء لاهتمام نفسي في بلادنا؟

أذكره فجرا يأتي ليجلس معي، أذكره برقة صوته يقول لي أنت طفلة أنجبت طفلة، أميرة أنجبت أميرة، يأتي ليجلس معي يرفه عن نفسي وهو ما به من تعب يكفيه كثيرا جدا..  أتذكر موقف ابنة خالي وإحدى صديقاتي اللتان اقتربتا مني بعد الولادة وقبلا يدي، وأنا التي لم أتوقع هكذا ردة فعل منهم، أشعرتني هذه القبلات الدافئة على يدي أنني أسعد إنسانة في الدنيا، سمعت كلامهم الذي لم يتفوهوا به، كأنهم يقولون: أنني تعبت ونحن نقدر هذا التعب. يا الله ما أجمل هذا الاهتمام وكم أقدره.

 

كيف تشعرين؟

ما أغربها من كلمة في مجتمعاتنا، ونحن الذين نسأل بَعضُنَا كيف حالك يوميا كـ "عرف سائد" فقط، وأكاد أجزم أن نصفنا لا ينتظر الإجابة حتى … كيف تشعرين بعد إنجابك؟ هل لا زلت تضحكين مثل قبل؟ هل تشعرين أنك بخير؟ هل تحبين دورك الجديد؟ هل هناك أي صعوبات تواجهك؟ هل تحتاجين لأي مساعدة؟ كم امرأة عربية سألت هذه الأسئلة في حياتها؟
 

ونحن الأحوج في مجتمعاتنا لمثل هذا الدعم المعنوي، لأننا شعوبا تُمارس علينا ضغوطا اجتماعية تكاد تفوق قدرة البشر جميعهم. كم امرأة أنجبت في الحروب والملاجئ ولم يكترث بها حتى نفسها؟ كم نحتاج نحن النساء لاهتمام نفسي في بلادنا؟ ونحن الذين على مدى كل العصور نحب الإنجاب كثيرا ونزرعه في عقول بناتنا ولكننا أخر ما نأبه به هو صحة الأم النفسية، نحن نمارس العكس تماما، فعندما تشتكي الأم من قلة النوم وتعب التربية، أول ما يقال لها اذا أردت الإنجاب يجب أن تتحملي، أو القادم أعظم، غير الكلمات الثقيلة التي تخرج من قليلين الثقافة أو الذوق،"لقد ازداد وزنك كثيرا وتغير شكلك وأشياء جارحة كثيرة".

 

نحن نبدع بزرع الإحباط بنفوس بَعضُنَا، نبدع بالاتهامات، ونبدع بممارسة العنف اللفظي والنفسي، ولا نشجع بَعضُنَا الا على التخلف. وأكثر بيئاتنا تكثر بها الأنانية وعدم الاكتراث لمشاعر الغير

إذا خرجت الأم من المنزل وتركت أولادها للترفيه عن نفسها تتهم بالأنانية، إذا استعانت بصانعة منزل للعناية بأولادها تتهم بالكسل والاعتماد على غيرها، إذا جلست بالمنزل مع أولادها تتهم بالرجعية، وإذا خرجت للعمل تتهم باتهامات لها أول ليس لها أخر.

 

نحن نبدع بزرع الإحباط بنفوس بَعضُنَا، نبدع بالاتهامات، ونبدع بممارسة العنف اللفظي والنفسي، ولا نشجع بَعضُنَا الا على التخلف.  وأكثر بيئاتنا تكثر بها الأنانية وعدم الاكتراث لمشاعر الغير.  كم نحتاج من تطور فكري وثقافي، لنعامل في مجتمعاتنا، ذكورا كنا أم إناثا كبشر لهم قيمتهم الإنسانية؟ ونحن الذين للأسف كلما تقدم بنا الزمن رجعنا الى الوراء أزمانا.

 

متى سنصبح إنسانيين ونهتم بما يسمى المشاعر؟ متى ستزرع ثقافة التعبير عن الجمال والحب في بيوتنا؟ متى سنقنع أنفسنا أن التعبير عن المشاعر قوة وليس ضعف؟ كونوا لطيفين مع بعضكم، قولوا كلمات رقيقة فهي شفاء للنفوس وفرحة للجميع. وأنتم كيف تشعرون؟ اسأل نفسك يوميا كيف أشعر؟ لأن هذا ما تستند عليه حياتنا وهذا الذي يجب أن يكون هو الأهم … فلتكونوا بخير ولتشعروا بسعادة، لنعيش تلك الحياة بجمال نفسي يملأ نفسنا ومن حولنا فرحا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.