شعار قسم مدونات

يا شعباً تآكل

blogs - الأردن
لا زالَ ذاك العجوز منهم فَوْقَ كرسيهِ المخلد، يَعتبرهُ ضمنَ المحدود، ولا زالَ يُعلقُ شماعةَ الجهلِ وقلةَ الدينِ حُجةً باطلة، لأولئكَ المساكين، حتّى يبرئ نفسهُ من إِثْم خطيئتهم القاضية التي أَودت بِهم إِلى إزهاقِ أَرواحهم، وتعَطُشِهم للحياة بعد اللاحياة وممارسة أَقصى أَنواعِ العقابِ على أنفُسِهم الخامدة، هُم مسجونونَ في عالمِ الحياة، مَثَلُهم كَمثلِ البحَّارِ على قاربه المتآكل في المحيط اللامتناهي، قِف واسرح في معنى تلك الكلمةِ البسيطة بحروفها العميقةِ بجوف معناها، وتخيل لو تجَرِّدْ أي إنسانٍ من الشعورِ بِلذةِ حياته أي تَجَرُّده من الحياةِ ذاتها في معناها، وكيف وهي الحياة غيرَ شعور الإنسان بالحياة.

الحكومةُ بِطبيعتها ليس لها ضمير
من بين جميع أنواع الطغيان، يتميز الطغيان الذي يُمارس من أجل مصلحة شعبه بأنه الأشد قمعاً، فَربما من الأفضل أن تعيش في نظام للفاسدين على أن تعيش تحت حكم السلطة المطلقة لمدعيي الفضيلةِ الذين يَتدخلون فيما لا يعنيهم ويدَّعون عُموم الأمنِ والأمان أهميةً سابقةً للشعبِ قبل الحكومة.. فالظلمُ الذي يمارسه أباطرةُ الفسادِ قَد يَخمِد أحياناً أو قد يختفي في لحظة مِن اللحظات، وقد يصلَ جشعهم إلى مرحلة الإشباع، لكن الذين يَقمعوننا من أجل مصلحتنا كما يدَّعون، سيستمرون في قَمعِهم إلى ما لا نهاية، لأنهم يفعلون ذلك بضمير مستريح.
 

لا أنتظر من حكومة تنهب الشعب لتدفع لكيان صهيوني تخاف منه أو تعتمد عليه لحماية أو حتى مساعدات لجيبوها الذليلة أيَّ شيء، ولا تنتظروا من الشعب احتراماً لحكومةٍ عبثت وتعمَدت إلحاقَ الضررِ بالوطن والشعب.

أعيروني فقط أسماعكم الصماء لأخاطبكم عن هلاك شعوبكم:
يا من أخبرتمونا أَنَّ الحياة جميلةً واَن الحكومةَ هي الشعب والشعب هو الحكومة، يا من أتعبتمونا بخطبكم الزائفة والمقرفة، عن حبكم لأَوطانكم التي تَعبت من طغيانكم الهالك، يا من هدمتُم الحياة والموت معاً مقابل جيوبكم وفسادكم القاهر، حتى جيوبكم تعبت من ما دخلَ بها حراماً، يا من أضعتُم الحق والواجب أمامَ أعيُننا الذابلة، وتكلمتم عن القانون والقانون والقانون.. ومارستم التحرش به بكلِ فخرٍ مستباح؛ شُعوبكم الآن على حافةِ هاويةٍ صغيرة، كالغريق المعلقِ بقشة، يخافُ أن يقعَ في بحر طغيانكم المميت، ولا يستطيع الرجوع خوفاً ليجد المنقذ الذي ليس منكم، نعم هم الآن يمارسون اللاحياة، يقتُلون أنفسهم بأنفسهم، يتلذذون بإزهاق أَرواح فلذة أكبادهم كي تنعمون وتشيدون قصوركم على مقابرنا جثثنا الضامية..
 

يا من زعمتم أنكم أوجدتم لنا الحرية والحياة، لكن الحقيقة كانت عكس ذلكَ تماماً، أنتم من سرقتم التقديس على حساب لقمة عيشنا، يا أَباطرة الفساد والظلم، أتكلم اليوم عن تلك الفتاة العشرينية الجميلة التي لعنت حياتها، وأنهت روحها، أتكلم اليوم عن ذاك الأربعيني الذي أطلق النار على نفسه وذهب إلى ربه، وذاك الذي سكب البنزين على نفسه وفلذة أكباده الأربعة لكنه لم يجرؤ، أتكلم عن وعن وعن..، أَتكلم عنهم، من الطبيعي أنكم لم تمنحوهم أياً من الأعذار البسيطة لأصعب أمرٍ قد يفعله البشر، أنتم لستم السبب، قد يريدون شهرة من لا شيء، أو حتى وصلت بهم الرفاهية لتجربة كل شيء عدا الانتحار، وأقدموا عليه الآن.

الحياة شعلةٌ إما أن نحترق بنارها أو ونطفئها ونعيش في ظلام، ولا ريب في أن الحياةَ ثمينةٌ.. لكنَّ نفسَكَ من حياتِكَ أثمنُ، هي كلمات صفت، ولم تصف إلا لأن من كتبها شعرَ بها، ولو لم تشعر بتلك الكلمات، أعتقد بأن تراجع طبيبا نفسياً في أسرع وقت، لأن لا حياة بلا كرامة يا عزيزي المسؤول، لا أنتظر من حكومة أمثالكم تنهب الشعب لتدفع لكيان صهيوني تخاف منه أو تعتمد عليه لحماية أو حتى مساعدات لجيبوها الذليلة أيَّ شيء، ولا تنتظروا من الشعب أمثالي احتراماً لحكومةٍ عبثت وتعمَدت إلحاقَ الضررِ بالوطن والشعب، فعندما وعندما تقود الحكومة الشعب إلى الخراب بشتى الوسائل والإمكانيات يصبح عصيان كل فرد من أفراد الشعب حقاً من حقوقه، بل واجباً وطنياً كما يقول هتلر.
 

فقبل أن تظهر كارثة الانتحار، كان الأَولى من الحكومة "الأردنية" أن تحلُ مشكلة انضمام الشباب الأردني لصفوف داعش وليس قتلهم، لأن غيرهم الكثير لا زالوا في انضمام مستمر ومتستر ضمن خلايا نائمة.

فما أحببنا الحياة إلا لأننا أحببنا ونحب الحرية، فإن ذهبت الحرية وساد الظلم والفساد والفقر، كان الموت فراراً، ولا أحلل بذلك الطرق غير المشروعة وإنما الموت الحق، فالله أرحم الراحمين، ولأولئك الذين أزهقت أرواحهم بطلاناً، لروحهم الرحمة والسلام عند ربهم الأعلى.

عشاق الحياةِ.. يتراكضون للانتحار
هم الآن في زحام الموت، يتراكضون لسباق زمن الحياة للوصول إلى الحياةِ بعدَ الموت، أكثر من ٤٦ حالة انتحار منذُ بداية هذه السنة العمياء، خمسةٌ منها في ٣ أَيامٍ فقط، والحكومة الآن تحاولُ تعديل قانون العقوبة لكل من يحاول الانتحار، أي كعادتهم بتلك الحلول الملتوية التي تصاغ جهلاً وتطبق جهلاً، فهم يسعون لحلول نتائج العدم دون الرجوع إلى معرفة أسبابِ المشكلة وحلها، فقبل أن تظهر كارثة الانتحار، كان الأَولى من هذه الحكومة أن تحلُ مشكلة انضمام الشباب الأردني لصفوف داعش وليس قتلهم، لأن غيرهم الكثير لا زالوا في انضمام مستمر ومتستر ضمن خلايا نائمة..
 

كان الأولى أيضاً أن توفر لهم احتواء آمناً لهم بعد تعليمهم ليجدو عملاً مناسباً يعيلهم ويعيل أسرهم، كان الأولى أن تحل مشكلة تعاطي المخدرات لفئة من المفترض أن تكون عماداً وأساساً لدولة وحكومة معطاءة تحترم شعبها، لا باختلاق مشكلة موازنة وعمل بلبلة لحلها، كان الأولى أن تكون حكومة للشعب وليس حكومة للانتحار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.