شعار قسم مدونات

لوكيميا الفكر.. حلقة مفرغة بين الفكر والسياسة والدين

blogs - مولانا
كثيرا ما نبحث عن التغيير والاختلاف، وننتظر فجرا جديدا يحمل معه حلما وأملا، وانتظارا لما وراء الحدث، ولكن في عالمنا العربي الجديد أضحت التغيرات الحديثة هاجسا يغزو عقول الشباب العربي، بل وتمتد جذوره لينخر عظام الوطن العربي بأكمله، فلم يعد للأسلحة مكان، ولكن يكفي أن يخرج شيخ العرب عن جلبابه الفخم الذي دائما ما كان رمزا للفخر والهيبة بين الناس؛ حتى يصبح رمزا للرجعية والتخلف تحت مسمى التحضر والاقتداء بالثقافة الغربية، فلم أكن أعرف أن الأفكار ستصبح أقوى وأشد من هذا المرض اللعين، لكن الأخطر من ذلك هو الإرهاب الفكري الذي طغى على معالم الثقافة والحضارة العربية القديمة والتراث الذي دفن تحت أنقاض الذل والمهانة.

بالفعل هناك علاقة وطيدة بين الفكر والسياسة تعقدت وتغيرت عبر سنوات الحكم السابقة وحتى الآن، وأصبحت مظلة الثقافة تحمي الهوية السياسية، بل والأدهى من ذلك عندما يكون الفكر موجها بسياسة قناة أوإعلام وطني أو أغراض أخرى لا نعرفها، يتخفى وراءها رمز في عباءة الفضيلة والشرف والأمانة، ويجسد فيها الكتاب شخصية كاتب بلا هوية، ونص بلا مرجعية، ويبقى القارئ هو الضحية التي تتيه وسط هذه الأفكار.

واستكمالا لهذه الحلقة المفرغة، يأتي دور الداعية الذي اختزلته الأحداث في قالب متغير ليلائم طبيعة الزمان والمكان والعباءة السياسية، وهذا ما جسدته الدراما وأظهرته رواية مولانا في قالب لا نحب أن نراه فيه. فطالما عرفنا أن الدين لله وأن الدين المعاملة، قبل أن يكون درسا في كتاب أو جلسة فقهية، وعرفنا أننا إخوة نعيش تحت سقف واحد نتقاسم معا ضنك الحياة وألم المعاناة، ولحظات الفرح والسعادة، وقد جاء الحديث الشريف ليوضح ذلك، فقد قال رسول الله (ص) "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا، ولإن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد مسجد المدينة شهرا"، وبالتالى فإن القضية أكبر من كل هذا، هي قضية مجتمع وأخلاق وشرف وأمانة، قبل أن نختزلها في قالب الداعية، هي قضية دعوة وليس داعية.

هذه الأرض تمخضت عن عظماء في علم المعمار والرياضيات والفلك والجغرافيا، ونقل العالم كله مؤلفاتهم ليبنوا بها مجدا لأنفسهم، وهذه الصورة هي التي يجب أن تسردها الرواية وليس مولانا الذي لا نحب أن نراه.

ويأتي دور الرواية في إبراز شخصية مولانا، والغريب أن مولانا الذي يستشهد به الناس في قضايا الإسلام والمسلمين، والذي احترمه العالم كله مسيحيين ومسلمين، ظهر بصورة شخص متملق يسعى لتحقيق الشهرة على حساب الأمانة الإعلامية التي يخفي وراءها جوهره الحقيقي من أجل الحصول على مزيد من الأموال كاللص الذي يسرق عقول الناس ويسعى أن يكون جزءا من نظام وسياسة موجهة تحميه وتجعل له مكانا خاصا لما يفعله من أجلها، وتثير الجدال حول قضايا الإسلام والمسيحية، وهذا ما جنته ثمار الإرهاب الفكري على الثقافة والدين والسياسة، وهي الحلقة المفرغة غير المترابطة، والتي تلقي بوبالها على العقول البسيطة، وتسلط الضوء على الظواهر السلبية، وتقدم صورة ضعيفة للقارئ عن أحداث غير مكتملة المعاني والأركان، ولكنها تثير ضجة كبيرة وبروبجندا إعلامية هائلة تخفي وراءها عباءة النفاق الحقيقية، وهوية ليست واضحة المعالم لمصدر الكلمات والأحداث، ويبقى ضحايا الفقر والمرض والمهانة من البسطاء والمهمشين هم من يصعد هؤلاء على أكتافهم!

للأسف أصاب الصورة ضباب كبير في برد الطرقات الذي ينهل من عظام كل من ذاق مرارة الحاجة ولا يجد سقفا يظله ويحمي حرمته، هؤلاء هم أطهر وأشرف ممن يجد ملاذه في التلاعب بالأفكار وتوجيهها نحو ما يريد أو ما تريده سياسة القناة التي تنقل الحدث، فالهدف واحد والوسيلة واحدة، ولكن نبرة الصوت ولغة الكلام الانفعالية التي تخاطب القلوب قبل العقول تختلف. فالقضية هي قضية مجتمع وقضية دعوة، وليس داعية، فكيف لأمة تنهل منها الأمم علما وثقافة وحضارة وتاريخا وفكرا، وتعيش تحت أنقاضها أشلاء من الجهل وبقايا الذل وقلة الحيله! 

فما عرفته أن الإسلام هو مرآة الحضارات وهو دين ودنيا وحضارة تحترم الآخرين وتراعى أسلوب الحوار والتوجيه، وترسم أسس التقدم والدولة المدنية والسياسية، وتفصل في قضايا شائكة تخص المجتمع وتقدر الأديان الأخرى وتحترمها، ومن منبرها الأزهري تجلت عظمة العلم وصدرت الفكر إلى دول العالم كله، وهذه الأرض تمخضت عن عظماء في علم المعمار والرياضيات والفلك والجغرافيا مثل ابن سينا والفرابي والخوارزمي والكندي وابن خلدون والإدريسي وابن الهيثم، ونقل العالم كله مؤلفاتهم ليبنوا بها مجدا لأنفسهم، وهذه الصورة هي التي يجب أن تسردها الرواية وليس مولانا الذي لا نحب أن نراه، فتبقى صورة الإسلام كما هي دون أن يشوهها من يتحدث بالكلمات ولا يعرف معناها، وهنا تكتمل الحلقه المفرغه بين الدين والفكر والسياسة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.