شعار قسم مدونات

تذكرت أنها طفلة

blogs-أطفال
بين مقلتي عينيها الصغيرتين تغازلني مرآة قلبها الكبير، وينعكس فيها مشاعر أضاءت ببريقها وبهائها قنديلا يهتدى به كل قلب مظلم فيدرك أن العيش بقلب نقى أجمل من كنوز قارون، هكذا كانت عندما استيقظت أعينها على طواحين الحياة. لقد كانت كالبدر في مشاعرها الجميلة، تداعبها أحلام الطفولة، لكنها تحتاج ليد ترفق بها وتعطيها حقها في ميراث الحياة؛ فتذوب داخل أروقة العلم انتظارا لمستقبل بات في مخيلتها أن تكمل بناءة ليتراءى لها شامخا عاليا كما حلمت.

ولكن عندما يرضخ هذا القلب الصغير لألم المعاناة فتقسو عليه الحياة ويذوب جماله، تنهار أعمدة الحب التي تحمل بناء المجتمع، وهنا يسطر القلم صفحات قضية يجب أن تنظر أمام محكمة العدل الدولية وهي قضية الطفولة. هؤلاء الأطفال هم شعاع من الأرواح، وقبس من النفوس، وقطع من الأكباد، وامتداد للحياة وخلق لمجتمع جديد قادر على العطاء، ولكن حينما ينطفئ هذا الشعاع يموت العلم، وينخر الجهل والتخلف في عظام المجتمع، فينتشر الوباء ونعود لنشكو من التخلف والرجعية والانحدار بين الأمم. 

من أجل أن تنمو البذرة لابد أن يوفر لها المجتمع بيئة نظيفة وعادلة، بداية من مقعد في مدرسة وانتهاء لمنصة قضاء تحمى الحقوق وتسن القوانين.

وفى الوقت الذى حقق فيه العالم الغربي إنجازات علمية وتكنولوجيه هائلة تقوى عضلات شبح الظلم الاجتماعي الذى يدفع بأطفال في عمر الزهور إلى سوق العمل في ظل ظروف عمل سيئة؛ الأمر الذى أدى إلى لجوء المنظمات الحقوقية ومنظمة العدل الدولية إلى موافاتنا بتقارير ودراسات وإحصائيات لسنوات وسنوات لتصبح مجرد حبرا على ورق جف من طيلة الخمول.

للأسف الشديد انطبقت جدران الفقر على أحلام البسطاء الفاقدين لأبسط حقوقهم في الحياة، فهم يريدون أن يرتووا بماء العلم ويسعون للقمة زهيده تسد فراغهم العقلي والعاطفي، كي يتقنوا فن الإبداع والبناء ويصبحون نموذجا يسير في دربة أبنائهم، فهم كالبذرة التي تخلف ورائها طعاما يكفي لإشباع أمة جائعه وتخلف ورائها نبتة إما صالحه وإما طالحه بقدر ما نشأت ونمت براعيمها.

ولكن من أجل أن تنمو البذرة لابد أن يوفر لها المجتمع بيئة نظيفة وعادله بداية من مقعد في مدرسة وانتهاء لمنصة قضاء تحمى الحقوق وتسن القوانين في ظل دستور تاهت معالمه بين أشرعة السلطة التي تقودنا إلى وجهه لا نعلمها، ولازلنا نتحدث وننتقد دون سبيل!؟ بالفعل نحن لا نستطيع بناء واجهة مجتمع أصابه إعصار من الظلم والجهل والفساد ولكننا نستطيع بناء طفل وجعله قادر على تحمل أعباء الحياة وصناعة مستقبله.

ولو تدبرنا القرآن حق تدبره لوجدنا فيه حل هذه المشكلة؛ لأن فيه أساليب وطرق شتى لتربية الأولاد، والتي هي ضامنة لصلاحهم، ومن ثم صلاح المجتمع الإسلامي حيث أن القرآن هو الذي استطاع أن يقلب مجتمع العرب من الجاهلية إلى الفطرة السليمة في أقصر مدة. فقد قال الله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَاا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ ويعنى بذلك أن الذرية إذا كانت في درجة نازلة عن ذرية الآباء في الجنة فإنهم يلحقون بهم في الدرجات العليا.

هؤلاء الأطفال هم شعاع من الأرواح، وقبس من النفوس، وقطع من الأكباد، وامتداد للحياة وخلق لمجتمع جديد قادر على العطاء، ولكن حينما ينطفئ هذا الشعاع يموت العلم.

وكذلك أوصانا الإسلام بعدة وصايا لقمان لابنه اجتناب الكبر والعجب فقال تعالى: "يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ"، كما قال الله تعالى" المال والبنون زينة الحياة الدنيا وهذه الآية تبيّن ان الاطفال هم زينة الحياة وانهم نعمة من الله سبحانه والنعمة يجب ان نقابلها بالشكر والحفاظ عليها.

أما على الجانب الاجتماعي علينا أن نحترم آرائهم ونعطيهم الحق في الاعتراف بإنجازاتهم والانخراط في المجتمع والتجربة وعدم الخوف مع توجيههم التوجيه السليم حتى يصبحوا لديهم مقعد في المجتمع. ولازال هناك الكثير والكثير، وإن تحدثت عن فنون التعامل مع الأطفال والجوانب السلوكية لن أنتهى وعلى الأمد الطويل سنعرف جيدا نتاج ما بذلناه من جهد واستحسان في تربية أبنائنا فيبنوا كيانهم بأنفسهم ولا يحملونا أثقل مما اقترفناه طيلة حياتنا لكي ينعموا بالحرية ويمحوا من قاموس لغتهم مصطلح سجناء الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.