شعار قسم مدونات

على خطى بني إسرائيل

blogs-الرد من القرآن
لا شك أن المسلم الناظر إلى الواقع الإسلامي اليوم ينتابه من الجزع والأسف ما ينتابه لما يراه من حالة التفكك والخضوع والخنوع التي تعصف بالشعوب الإسلامية، وحالة التبعية المفرطة التي تخطت كل حواجز الإرادة الذاتية والروابط الدينية لتصنع من تلك الشعوب مجموعات مشتتة من البشر تلتف كل مجموعة منها حول قوميتها تارة وعرقها تارة أخرى، فأمست تلك المجموعات غير متفقة سوى في التبعية إلى الشرق أو إلى الغرب، تلك التبعية التي أصبحنا نرى أثرها في أدق التفاصيل اليومية لتلك الشعوب من معاملات ومأكل وملبس، بل تخطت ذلك لتصنع عند عامة الشعوب أيديولوجيا مشوهة تمثل فيها الثقافة الأجنبية النسبة الأكبر، وتمثل العادات والتقاليد ما تبقى منها، ولم يتبق للدين مكان وسط هذا الخليط المشوه.

لقد وصف لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم هذه الحالة في الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟"، وفي هذا الحديث تظهر دقة الوصف لما نشهده اليوم من حالة التبعية للثقافة الغربية التي يمثلها النصارى.

أما فيما يخص اليهود فهم منبوذون في كل الثقافات والمجتمعات في الفترة التي سبقت عصر النهضة الأوروبية وما رافقها من انقلابات كثيرة على كل الموروثات الفكرية التي كان من ضمنها نبذ اليهود الذي أصبح اليوم جريمة يعاقب عليها القانون، يطلق عليها معاداة السامية، ولهذا ظلت الشبهات تحوم حتى اليوم حول دور اليهود في تلك الثورات التي قامت في الغرب، وذلك كان حال اليهود من النبذ في المجتمعات الإسلامية الذي ازدادت وطأته بعد احتلالهم لفلسطين وإقامة كيانهم فيها، فأصبحنا نتحرى مخالفة اليهود في كل أمر نعلمه لشدة ما نحمله من حقد تجاههم، وهنا يبرز السؤال، إذا كان الحال كذلك، فأي اتباع قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه؟

تكرار قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم وتناوله لهم حكمة يجب أن نبحث عنها ونتقصى أمرها، فقد ذكر سيدنا موسى في القرآن الكريم مائة وثلاثين مرة كما لم يذكر أي نبي أو رسول.

لقد نظرنا للاتباع في المرة الأولى على أنه اتباع في الثقافة والعادات، ولم ننظر إليه على أنه اتباع في مخالفة أوامر الله وما نتج عنها من عقاب رباني، والأخير هو ما قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه خاصة فيما يخص بني إسرائيل.
فقد قال الله تعالى: "أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"، لقد نزلت هذه الآية في بني إسرائيل حينما اتبعوا بعض ما أنزل عليهم وكفروا ببعضه الآخر لعدم مطابقته لهواهم، فكان عقاب الله لهم هو الخزي في الحياة الدنيا قبل عذاب الآخرة، ولا أظن الخزي الذي نحن فيه اليوم إلا نتيجة اتباعنا بعض ما أمر به الله ومخالفتنا بعضه، حتى إن البعض الذي خالفنا فيه طغى على البعض الآخر، أنتوقع غير الخزي بعد ما جاء في هذه الآية؟

وقال الله تعالى: "لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ"، لقد نزلت هذه الآية في يهود المدينة بعد أن طردوا من المدينة لما حاكوا من مؤامرات ودبروا من مكائد للرسول وللمسلمين، وإذا ما ابتعدنا عن الظرف الخاص للآية ونظرنا إلى حالتهم من البأس الشديد بينهم وتفرق قلوبهم كنتيجة لغضب الله عليهم، لوجدنا أننا في حالة مماثلة من الغضب الرباني إذا ما قيست بالعقاب الذي أنزله الله عليهم، فلا يخفى على أحدنا تعداد طوائف المسلمين اليوم والاقتتال الشديد بينهم الذي تخطى كل المحرمات والمحظورات، ولا يخفى علينا تفرق قلوبنا حتى في المجتمع والمدينة والقرية الواحدة.

كانت الآيتان السابقتان مثالاً لما حل ببني إسرائيل من الغضب بعد النعم الكثيرة التي أفاض الله بها عليهم، وفيهما عبرة للمسلمين وتحذير من الكفر بنعمة الله وعصيان أمره، ولعل المقال هذا لا يتسع ليشمل كافة أركان الموضوع ومقوماته، فالباب هنا يتسع لبحوث شرعية كثيرة يستنبط منها التشابه بين الأحداث التي مر بها بني إسرائيل في تسلسل زمني ومقارنته بما حل بالأمة الإسلامية منذ كانت في أوج قوتها إلى أن وصلت إلى الحضيض الذي نحن فيه اليوم.

فلتكرار قصة بني إسرائيل في القرآن الكريم وتناوله لهم حكمة يجب أن نبحث عنها ونتقصى أمرها، فقد ذكر سيدنا موسى في القرآن الكريم مائة وثلاثين مرة كما لم يذكر أي نبي  أو رسول، وهذا الأمر يترجمه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور أعلاه، بأننا سنتبع سننهم، وأن قصصهم ستكون عبرة لنا بعد وفاة الرسول وانقطاع الوحي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.