شعار قسم مدونات

رئيسٌ مع وقف التنفيذ!

مدونات الرئيس الجزائري

لم أعُد أعلمُ لأيّ غايةٍ أصبح يصلحُ الرئيس الجزائري "المُقعَد" عبد العزيز بوتفليقة، غيْرَ إيراد اسمه في بيانات "اعتذار"، صادرة باسم الرئاسة، مفادُها أن حالته الصحية في تدهور مستمر، مانعةً إياه من لقاء شخصيات بارزة كانت تعتزم زيارة بلده المُثقَل بهموم الانخفاض العالمي الحاد لأسعار النفط. اعتذاراتُ الرئاسة الجزائرية، الصادرة عن "قصر المرادية"، لشخصياتٍ عامة تنتمي لدول عديدة لها وزنُها الإقليمي والدولي، جاءت في بيانات متتالية تريد إبلاغ رسالة واضحة، لكل من يهمُّه أمر صحة الرئيس الجزائري، فحواها أن "بوتفليقة رئيسٌ لكن مع وقف التنفيذ، وهو بذلك غيرُ مُتاح حالياً".

صحة الرئيس بوتفليقة لم تعُد فقط مبرراً يُصاغ لملء فراغ بلاغات الرئاسة الجزائرية، ومعه فراغ بارزٌ في هرم السلطة التنفيذية، بل باتت تهمّ الجزائريين كافة، بعد أن طال "غياب" بوتفيلقة عن أنظارهم لأكثر من شهر

للوهلة الأولى، يمكن للمرء أن يتفهَّم، وببساطة، تدهوُرَ الحالة الصحية للرئيس الجزائري التي لم تكن على ما يرام منذ سنوات؛ لكن، من غير المفهوم أبداً أنْ يتم إلغاء زيارة أكثر من مسؤول رفيع ورجال دول إلى الجزائر بدعوى أن الحالة الصحية المتدهورة نفسها لا تسمحُ لهم بمجرّد زيارة البلد ولقاء بوتفليقة. فبعدَ انتشار خبر إلغاء زيارة كانت مقرَّرة رسمياً للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى "بلد المليون شهيد"، جاء الدور على إلغاء زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، في حين اكتفى وزير الخارجية الإسباني ألفونسو داستيس بلقاء ثنائي مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة تباحَثا فيه ملفات وقضايا مشتركة بين الطرفين، دون أن "يُتاح" له لقاء بوتفليقة شخصياً.

في جميع الحالات المذكورة سالفاً، نجد سبباً واحداً لتبرير عدم لقاء زعماء الدول الأخرى مع الرئيس الجزائري "المريض"، ألا وهو استمرار مَرضه، وتأزُّم وضعه الصحي؛ حيث تعدّدتِ زيارات الشخصيات العامة إلى الجزائر، لكن مانعَ لقائهم ببوتفليقة واحد. صحة الرئيس بوتفليقة لم تعُد فقط مبرراً يُصاغ لملء فراغ بلاغات الرئاسة الجزائرية، ومعه فراغ بارزٌ في هرم السلطة التنفيذية، بل باتت تهمّ الجزائريين كافة، بعد أن طال "غياب" بوتفيلقة عن أنظارهم لأكثر من شهر.. افتقدوه فصاروا يبحثون عنه في مجرّد صُور لقاءاته مع نظرائه من دول أخرى، فلا يجدونه إلاّ مذكوراً بالاسم فقط في بلاغات "قصر المرادية"!

وليس إفشاءً للسرِّ القولُ إن الوضع الصحي لعبد العزيز بوتفليقة، خلال السنتيْن الأخيرتيْن على الأقل، أصبح يبعثُ على كثير من الاستغراب مثيراً للعديد من علامات الاستفهام حول مستقبل الجزائر برمته، وليس فقط حول مستقبل العلاقات الدبلوماسية للجزائر مع حلفائها كما خصومها. كما أنه ليس خافياً على المتتبعين للمشهد في "بلد المليون شهيد"، أن البلاد تُسيَّر، في حقيقة الأمر، من طرف مجموعة من جنرالات الجيش، والذي يبدو أنهم يوجدون في حيرة من أمرهم إزاء اقتسام تركة حُكم ثقيلة لآل بوتفليقة يفوق عُمرها 15 سنة.

للجزائريّين كلُّ الحق في التعبير عن مخاوفهم وقلقهم مما آلتْ إليه بلادهم بعد دخول رئيسها في سُبات رئاسيّ عميق، وإجازةٍ مَرَضِيّة غيرِ محدودة الأمد ولا محسوبة العواقب. يحقّ للأشقاء الجزائريّين أن يتساءلوا، وبكل وضوح وصراحة، عن الوضع الاقتصادي والسياسي لبلادهم وصورتها الخارجية الآخِذة في التّآكل، تماماً كما يتساءلون، وباهتمام شديد، عن السبب الحقيقي وراء "اختفاء" بوتفليقة عن أنظارهم. رئيسٌ يُسيّر شؤون بلاده من غرفة إنعاش، ويَرْهَن مستقبل شعبه بحَبَّتيْ "أسْبيرين"، ليس سوى رئيس متوفّى دون شهادة وفاة ولا صلاة جنازة !

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.