شعار قسم مدونات

عن التعلم في عصر الإنترنت (3)

مدونات التعلم عن بعد

تحدثنا في المقال السابق عن نموذج التعلم الجديد الذي أتاحه ظهور الإنترنت، وتحدثنا عن كيفية استخدامه في تصميم عملية تعليمية مُتكاملة وفقًا لاحتياجات الفرد. في هذا المقال، سنتحدث ببعض التفصيل عن عملية التعلم ذاتها، وعن الأساليب التي يُمكنها تعظيم مُخرجات عملية التعلم. سنتحدث أيضًا عن كيفية بناء ملف تعلم إلكتروني ePortfolio يعكس المهارات التي اكتسبها الفرد خلال عملية التعلم.  سنضع في نهاية المقال مجموعة مُفيدة من المصادر التي اعتمدنا عليها في إعداد هذه السلسلة، والتي يُمكن الاطلاع عليها للاستزادة.
 

التعلّم التدبُّري Learning through reflection :

هل التعلم يعني استظهار المعلومات أم فهمها؟
دعني أُخمن الإجابة التي خطرت ببالك: التعلم يعني الفهم وليس الحفظ. هذه الإجابة ناقصة، وذلك لأن التعلم يعني الإثنين معًا. نتيجة لأساليب الاختبار وقياس المهارات المُتبعة في نموذج التعليم التقليدي، يحظى الاستظهار بالجانب الأعظم من الاهتمام بينما لا يولى الفهم أهمية. وكنتيجة لهذا التطرف، يميل المُعارضون لهذا النموذج للتطرف في الاتجاه المُعاكس، وذلك باعتبارهم أن الفهم وحده هو الهدف من عملية التعلم.

 

التعلّم التدبُّري هو حالة من "التفكّر الواعي" يقوم فيها الفرد بفحص ومُطالعه أفكاره باستمرار. ما نعنيه هُنا هو أن الفرد يقوم بإخراج كُل الأفكار المتعلقة بالموضوع الذي يتعلمه من رأسه ويضعها أمامه ثُم يبدأ في فحصها وطرح الأسئلة بشأنها.

ولكن في حقيقة الأمر، ليس بالإمكان فصل الفهم عن الاستظهار من الأساس. أنت بحاجة للاستظهار من أجل الفهم، وبحاجة للفهم من أجل الاستظهار. مُحاولة التعامل مع كلاً منهما على حدة يؤدي إلى نتيجة مُشوهة. الإطار الذي بإمكانه الجمع بين عملتي الاستظهار والفهم -وبالتالي تعظيم مُخرجات أي عملية تعليمية- هو ما يُمكننا أن نُطلق عليه "التعلّم التدبُّري".
 

التعلّم التدبُّري هو حالة من "التفكّر الواعي" يقوم فيها الفرد بفحص ومُطالعه أفكاره باستمرار. ما نعنيه هُنا هو أن الفرد يقوم بإخراج كُل الأفكار المتعلقة بالموضوع الذي يتعلمه من رأسه ويضعها أمامه -إما افتراضيًا باستحضارها أو واقعيًا بتدوينها- ثُم يبدأ في فحصها وطرح الأسئلة بشأنها.
 

لو فكرنا قليلًا فالأمر، فسنجد أن "التدبر" في سياق التعلم كما وصفناه في الفقرة السابقة يُمثل الخيط الذي يربط أجزاء العملية التعليمية كُلها:
 

1- قبل بداية التعلم يمُر الفرد بمرحلة "التدبر القبلي" prospective reflection، والتي يُحدد فيها ويُخطط لما يُريد تعلمه.  
 

2- خلال التعلم يمر الفرد بمرحلة "التدبر الآني" spective reflection، والتي يفحص فيها أفكاره بشأن ما يتعلمه.
 

3- بعد الانتهاء من التعلم يمر الفرد بمرحلة "التدبر البعدي" retrospective reflection، والتي ينظر فيها للتجربة التعليمية ككل، ثُم ينتقي أفضل المهارات التي اكتسبها والإنجازات التي حققها ليضعها في ملف التعلم الإلكتروني ePortfolio الخاص به.
 

بما أننا قُمنا بتغطية التدبر القبلي في المقال السابق عندما تحدثنا عن كيفية التجهيز لما تود تعلمه، لنركز الآن على التدبر الآني. لنفترض أنك تدرس الإنجليزية وتحفظ بعض الكلمات، ثُم قابلتك كلمتا Astronaut (رائد فضاء) و Asterisk (علامة النجمة "*"). في الأحوال العادية، بمُجرد الانتهاء من حفظ الكلمتين ستنتقل للكلمة التالية. مُخرجات التعلم "العادية" هي إضافة كلمتين إلى قائمة الكلمات التي تحفظها.
 

لكن ماذا لو أضفنا عُنصر "التدبر" الذي تحدثنا عنه؟ ماذا لو قررت أن تنظر لأفكارك المُتعلقة بهاتين الكلمتين قبل الانتقال لكلمة جديدة؟
في هذه الحالة رُبما قد تُلاحظ أن للكلمتين بدايتين مُتشابهتين نوعًا ما (aster- و astro-)، وهو ما قد يدفعك للتساؤل إن كانت هُناك أية علاقة بينهما. تُعيد التفكير في معنى الكلمتين، فتُلاحظ أن هُناك علاقة بين "رائد فضاء" و "نجمة". هل لهما أصل لغوي واحد؟ يدفعك هذا التساؤل للبحث على الإنترنت، فتجد أن astro-, aster- هُما بالفعل جذران لاتينيان يحملان نفس المعنى: نجم أو فضاء خارجي. بعد أن تتوصل إلى هذه المعلومة، تكتشف أنه أصبح بإمكانك تخمين معنى أي كلمة تبدأ بإحدى البادئتين حتى ولو لم ترها في حياتك من قبل! لاحظ كيف تضاعفت مُخرجات التعلم من مٌجرد حفظ كلمتين، إلى قاعدة عامة يُمكن تطبيقها على عدد لا محدود من الكلمات، وذلك بمُجرد إضافة عُنصر التدبر.
 

التوثيق وملف التعلم الإلكتروني ePortfolio:

كفاءة عملية التعلّم التدبُّري ترتبط بشكل مُباشر بمدى سهولة اطلاعك على أفكارك، وأسهل وسيلة للاطلاع على أفكارك هو أن تُخرجها من رأسك! هذا هو السبب في أن "توثيق" التعلم جُزء لا يتجزأ من عملية التعلم ذاتها. تسجيل الأفكار والأسئلة التي تخطر ببالك أثناء التعلم وتسجيل الإجابات وطُرق الوصول إليها.. ليس فقط أن هذا الأمر يُسهل العودة إليها مرة أُخرى من أجل صقلها أو مُراجعتها، وإنما يسهل أيضًا اختيار الأشياء التي قد ترغب في وضعها في الـ ePortfolio الخاص بك، والذي يُمثل إثباتًا على المهارات التي اكتسبتها.
 

لنفترض أنك قررت تعلم موضوع مُعين لفترة ستمتد لعدة أسابيع أو شهور. في كُل يوم، أنت تعلم أن عليك دراسة النقطة الفلانية من المصادر الفلانية، ورُبما قد تجد أنه بالإمكان التطبيق بمشروع صغير على ما تعلمته في هذا اليوم.. كيف نوثق هذه العملية؟
 

سنحصل في نهاية فترة التعلم على "مخزن تعليمي" يحتوي على كُل الأفكار والمهارات التي تعلمتها خلال تلك الفترة، مع إمكانية الوصول لكل المصادر والملفات التي عملت عليها أو تعلمت منها!

أحد الأشياء التي يُمكنك القيام بها في نهاية كُل يوم هو كتابة تدوينة تتحدث فيها عن أفكارك حول ما درسته والنقاط التي تعلمتها والصعوبات التي واجهتك وكيف تغلبت عليها. قد ترغب أيضًا في رفع الملفات المُتعلقة بالموضوع إلى حسابك على أحد مواقع استضافة الملفات -Google Drive على سبيل المثال- ووضع رابط لها في تدوينتك. في حال كانت هُناك صعوبة في إنشاء مدونة، يُمكنك القيام بنفس الشيء على جهاز الكومبيوتر الخاص بك باستخدام أي برنامج لتحرير النصوص -كبرنامج Word على السبيل المثال- أو باستخدام أحد البرامج المُخصصة لهذا الأمر-كبرنامج Evernote.
 

ما الذي سنحصل عليه بنهاية فترة التعلم؟

 سنحصل على "مخزن تعليمي" يحتوي على كُل الأفكار والمهارات التي تعلمتها خلال تلك الفترة، مع إمكانية الوصول لكل المصادر والملفات التي عملت عليها أو تعلمت منها! الآن إذا أردت أن تبني ePortfolio -الإثبات الذي ستقدمه لأصحاب الشركات أو الجامعات التي تريد الالتحاق بها- فكُل ما عليك فعله هو اختيار الأفضل من بين ما عملت عليه وعرضه بصورة جذابة على موقع مُخصص لهذا الأمر (هذا الموقع على سبيل المثال: https://pathbrite.com/). بالطبع، كُلما كانت الأشياء التي قُمت بها أكثر (عروض تقديمية، شروحات فيديو على يوتيوب، مقالات، مشاريع برمجية على Github… الخ)، كُلما كان أفضل.
 

أخيرًا، هذه هي المصادر التي اعتمدنا عليها في التجهيز لهذه السلسلة، والتي أنصح بالاطلاع عليها للاستزادة:

[1] [2] [3] [4] [5] [6] [7

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.