شعار قسم مدونات

مجزرة حماة جريمة في الذاكرة

blogs - حماة

يطل علينا الثاني من فبراير من كل سنة ليحمل معه آلام وجراح وصور الأشلاء والدماء لذكرى استعصت على النسيان، وأنى للنسيان أن يجد سبيله إليها، أو يهتدي لطريقها، تلك الذكرى التي تحمل معها صور الخوف والرعب والذعر لـ 29 يوما في مدينة كانت معزولة عن العالم، كما وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية كتنديد بالمجزرة واستنكار لها!

صباح الثاني من فبراير/شباط 1982، شنّ الجيش السوري حملة عسكرية ضد عصيان الإخوان المسلمين في المدينة -على حد تعبيره- بقيادة المقبور الملعون حافظ الأسد.

لتستمر حفلة الرعب مدة 27 يوما، ارتكب خلالها مجازر عدة، فقد طوّق المدينة وقصفها بالمدفعية والدبابات والطيران، ومن ثم اجتاحها بريا، ليقضي على عشرات الآلاف من المدنيين من أهالي المدينة، في اليوم الأول من نهار الثلاثاء تناغمت أصوات الصباح بالقصف الذي مهد له اللواء 47 دبابات واللواء 21 ميكا التابع للفرقة الثالثة المعروف بـ "سرايا الدفاع"، وفِي الليلة الأولى بدأت عملية القصف على المدينة. ويوم الخميس 4 شباط كانت المجزرة الجماعية الأولى قرب مدخل حماة الجنوبي حيث راح ضحيتها 1500 نسمة.
 

تذكر التقديرات لمجزرة حماة أن أعداد القتلى تتراوح بين 38 و40 ألفا قضوا في القصف الكثيف، بينهم عدد كبير من العائلات قضت بأكملها رميا بالرصاص.

أما يوم الاثنين 8 شباط فقد بدأت تتسارع المجازر، لقد كان يوم ذاكرة الجريمة في حماة، حيث تم تنفيذ ما يزيد عن عشر مجازر في منطقة السوق في يوم واحد قتل خلالها نحو ألف مواطن. وأما نهار الخميس فاستهدفت قوات الأسد حي الكيلانية، فأحرقت مساجده ودمرت قصوره وآثاره. وبعد فرض الهيمنة اقتحمت المنازل وساقت ما يزيد على 1500 مواطن وتم قتلهم بالإعدام المباشر!!

وتذكر التقديرات لمجزرة حماة أن أعداد القتلى تتراوح بين 38 و40 ألفا قضوا في القصف الكثيف، بينهم عدد كبير من العائلات قضت بأكملها رميا بالرصاص. واستباحت قوات الأسد الأب المقبور مدينة حماة 27 يوما، تعرضت فيها لقصف بري وجوي متواصل دمر ثلثي أحيائها. كما بلغ عدد المعتقلين أكثر من مائة ألف وعدد المهجرين أكثر من مائة ألف والمفقودين أكثر من 15 ألفا.

وبلغت نسبة التدمير في المدينة 80% بينهم خمسة أحياء دمرت كليا. وبلغ عدد المساجد المدمرة 63 مسجدا وتم تدمير أربع كنائس. أما العيادات المدمرة فقد بلغ عددها 40 عيادة بينما دمرت ستمائة محل ومتجر. كما بلغت نسبة المدارس التي دمرت جزئيا 60 % في حين بلغت نسبة المدارس المدمرة كليا 40 %.

وذلك بلا شك إنما هو جزء من الحقيقة الكاملة، حيث منع الصحفيون من دخول مدينة حماة لمدة شهرين إلى أن طمس الكثير من معالم الحقيقة، فلك أن تتخيل مدينة من الرعب تسمى حماة أو لنقل مدينة الموت، الأشلاء في كل مكان والدماء تغطي معالم البنيان. هذا طفل محروق وذلك مسجد مهدم، هنا مقابر جماعية وهنا أسرة أبيدت بأكملها.

ولكن ماذا عن تدمر؟؟ لم يكن سجن تدمر أحسن حالا من حماة، ذلك السجن الذي أطلق على من خرجوا منه "العائدون من جهنم". لقد أبدعت قوات الأسد وتفننت وأتقنت أيما إتقان في اختيار أساليب تعذيب لم تخطر على بال البشرية، فمن كهرباء وخوازيق إلى مراوح الدبابات والدواليب، ومن جوع وبرد إلى الموت في اللهيب، إنه الموت البطيء في أوضح صوره.
 

لقد كتب الكثير حول أدب السجون في سوريا في محاولة لتوثيق جزء بسيط جدا من أهوال ذلك السجن الذي لو بقي لكان أكبر عار في وجه النظام يضاف لقائمة العار الممتلئة.

كانت صرخات السجناء وعواء المساجين قد هزت جدران السجن وشققت نوافذه، لكن تلك الصرخات لم تكن تزيد الجلادين إلا مزيدا من النشوة في إبداع أساليب جديدة جلبت للسجناء جهنم على هذه الأرض، فمن الأطفال والنساء للشباب والعجائز، ومن المثقفين وحاملي الشهادات لمن لا يعرف القراءة والكتابة.

فعند هذا النظام الغاشم منطق واحد: الكل متهم حتى تثبت براءته. لقد كتب الكثير حول أدب السجون في سوريا في محاولة لتوثيق جزء بسيط جدا من أهوال ذلك السجن الذي لو بقي لكان أكبر عار في وجه النظام يضاف لقائمة العار الممتلئة.

ولعل أهم روايتين سطرتا تلك المرحلة كانتا "القوقعة" لمصطفى خليفة الشاب المسيحي الذي اعتقل بتهمة الانتماء لتنظيم الاخوان المسلمين، والثانية "يسمعون حسيسها" الذي أبدع فيها الروائي والشاعر أيمن العتوم عن شهادة إياد أسعد، لتكون مرجعا واسعا لكل من أراد أن يعلم شيئا يسيرا عن تلك الحقبة الماضية.

وفِي وصف أيمن العتوم للمقابر الجماعية التي تمثل العار الأكبر في تاريخ النظام البائس يقول: 
"في بلدي فقط يدفنون الأقمار في رمال الصحارى ويودعون النجوم في مجاهل التراب، في بلدي يأكل الإنسان الإنسان ليشبع شهوته إلى السلطة، يشرب من دمه ليسكر و يرقص على أشلائه ليطرب"

وبعد 35 عاما من تلك المجزرة المروعة أراد النظام أن تكون حماة مدرسة لغيرها في محاولة لكبت هذا البركان، فهل المدينة روضت أو سوريا ماتت؟ لقد أثبت التاريخ أن الطغاة يساهمون في نشر الحق عبر اضطهاد أهله، لقد مارس أكابر المجرمين هذا الأسلوب الأحمق البائس، وكانت النتيجة مزيدا من القادة والرموز تتغنى بهم الأجيال، ومتابعة للمسيرة التي ابتدأها الأبطال. فهل يتعظ الطغاة؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.