شعار قسم مدونات

عن التعلم في عصر الإنترنت (1)

blogs- التعليم
بظهور الإنترنت، تغير كُل شيء
في الحقيقة، التغير الذي أحدثته شبكة العنكبوت الهائلة تلك هو من العُمق أننا لم نعد نشعر بوجوده. أصبحنا نتعامل معه على أنه "مُسلم به"، على الرغم من أنه أبعد ما يكون عن ذلك. التداعيات الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية والسياسية للإنترنت هائلة لدرجة أن كُل منها قد يُشكل تخصصًا أكاديميًا مُنفصلًا.

في هذا المقال والمقالات اللاحقة، سأركز على موضوع أضيق نطاقًا من الموضوعات السابقة، ولكنه أكثر إفادة للمُستخدم الفرد: التعلم في عصر الإنترنت. سأحاول دمج المفاهيم والأبحاث التي تعرضت لها الفترة الماضية في إطار موحد من أجل تعظيم الفائدة من تطبيقها.

الغرض من سلسلة المقالات التي ستتناول هذا الموضوع الإجابة على الأسئلة التالية:
– لماذا كل هذه الضجة حول التعلم والإنترنت؟
– كيف يُمكن للفرد تصميم عملية تعليمية مُتكاملة "مُعترف بها" بالاعتماد على الإنترنت؟
– كيف يُمكن للفرد زيادة كفاءة التعلّم باستخدام الأدوات التي تتيحها الإنترنت؟
 

في التعليم التقليدي، الطالب طرف غير مؤثر على سير العملية التعليمية، هو مُجرد "مُتلقي". في التعليم التقليدي، تتدفق العملية التعليمية في اتجاه واحد فقط.

لماذا كل هذه الضجة؟
بصفة عامة، هُناك ثلاثة عناصر رئيسية ترتبط بأي عملية تعليمية:
1- بيئة التعلم Learning Environment
2- شبكة التعلم Learning Network
3- ملف التعلم Learning Portfolio

في إطار التعليم التقليدي، فبيئة التعلم هي الجامعة، أو بصفة عامة أي مؤسسة تعليمية. المؤسسات التعليمية يُمكن تعريفها على أنها أماكن تم تهيئتها "خصيصًا" من أجل تسهيل مراحل عملية تعليمية معينة مُسبقة التصميم. لننتقل للعنصر التالي. لو أكملنا على مثال الجامعة، فشبكة التعلم في هذه الحالة تتكون من العلاقات المتبادلة بين الطلبة وأعضاء هيئة التدريس. الغرض الرئيسي من هذه الشبكة هو تبادل الخبرات العلمية والعملية ضمن إطار تعليمي مُعين.
 

أخيرًا، الملف التعليمي، والذي "يُثبت" أن الفرد قد أتقن المهارات المستهدفة من برنامج تعليمي مُعين، سيتمثل في الشهادات التي سيحصل عليها. كما نلاحظ من الوصف السابق، ففي التعليم التقليدي يتمحور كُل شيء حول عملية تعليمية تم تصميمها "مُسبقًا". التصميم هُنا يتضمن أشياء مثل تحديد الأهداف من العملية التعليمية، اختيار المُحتوى، تحديد أساليب الاختبار والتقييم.. إلخ.
 

لكن ماذا عن الطالب؟ في التعليم التقليدي، الطالب طرف غير مؤثر على سير العملية التعليمية، هو مُجرد "مُتلقي". في التعليم التقليدي، تتدفق العملية التعليمية في اتجاه واحد فقط. على الرغم من أنه بإمكاننا الشعور على الفور بوجود خطب ما في هذا النموذج التعليمي، إلا أنه استمر كما هو بدون تغيير لعدة قرون. السبب بسيط: لم تكن هُناك بدائل عملية أُخرى يُمكن اعتمادها لحل مُشكلة تعليم عدد كبير من الطلبة.
 

لكن حدث شيء ما بعد ظهور الإنترنت. فجأة أصبح لدينا حل عملي يسمح بتدفق العملية التعليمية في كلا الاتجاهين، وللمرة الأولى على الإطلاق. بدلًا من جعل العملية التعليمية -مُسبقة التصميم- هي محور الاهتمام، والتي يجب على الطالب أن "يتأقلم" مع متطلباتها، أصبح بالإمكان وضع الطالب في المركز، وتصميم العملية التعليمية حول متطلباته! هذا الأمر يُمثل ثورة مفاهيمية غير مسبوقة لم يكن لها أن تتواجد بدون الإنترنت، والتي أصبحت تعرف باسم "التعلم المُتمحور حول الطالب" Student-centered learning.

كما هو مُتوقع، فشكل العناصر الثلاثة التي تتكون منها العملية التعليمية تحت هذا النموذج مُختلفة عن نظيراتها في التعليم التقليدي. تفصيل هذا الأمر هو موضوع المقال التالي في هذه السلسلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.