فما هو ذلك الزوج المثالي من وجهة نظر بعض الأهل؟! أهو الرجل ذو المكانة المرتفعة والمال الوفير؟ فقط!
ما زال بعض الأهل لا يدركون أن المثالية المرغوبة في زوج الابنة لا بد من الاتفاق عليها فيما بينهم وبين بناتهم.. إن الخاطب المثالي هو الرجل الذي ترتضيه الابنة ويقر الأهل على خلقه ودينه وكفاءته لتحمل مسؤوليات الحياة؛ هو الرجل الذي سيشعر الأهل بالاطمئنان على ابنتهم معه حتى ولو كان يعاني من بعض ضيق الحال في بداية الطريق، طالما هي قد ارتضت به على حاله ذاك.
ما زال المال والمنصب يخدعنا رغم أننا نرى كل يوم في ساحات القضاء ما نعاني منه بسبب تلك الاختيارات المتسرعة، مما رفع نسبة الطلاق في مصر إلى 40% بمعدل حالة طلاق كل 6 دقائق حسب آخر إحصائيات معلنة عن عام 2015.
الغريب أن هناك فئة من الأهل أصبحت تفكر في تزويج الفتاة لأجل التزويج فقط؛ لكأنها هي دورة الحياة بدون أي تفكير، وهذا منطق خطير؛ نحن نزوج بناتنا لا لكي نتخلص من مسؤوليتنا تجاههن، ونلقي بها على عاتق رجل آخر؛ ونهرب بهن من شبح العنوسة بالفوز بصفة زوجة بأي شكل؛ بل لكي نصنع من نجاحنا الأُسري نجاحا آخر، بأن نساعد تلك الفتاة على أن تكون زوجةً صالحة وأما فاضلة؛ تنشئ أسرة جديدة مستقرة تنفع المجتمع؛ يقول أنتوني براندت: "أمور كثيرة قد تغيرنا، لكننا نبدأ وننتهي بعائلة". ويقول رينغ لاردنر: "العائلة التي أتيت منها ليست بأهمية العائلة التي ستؤسسها".
علينا ألا نلهث وراء التخلص من مسؤولية الفتاة؛ بالزج بها في قفص زواج هي لا تريده؛ فنحن بحاجة دوما إلى ثباتٍ وتروِّ في تقرير مصير بناتنا، وبحاجة إلى تفهمٍ وصبر لمساعدتهن في اختيار شريك الحياة. |
وهنا لا بد أن ندرك جيدا أن المخاطرة في قرار الزواج أو التزويج من شأنه أن يسبب كثيرا من المآسي التي نسمع عنها؛ بدءا من الاكتئاب ومرورا بالخيانة، ووصولا إلى الطلاق والقتل والإدمان.
أنا أعلم جيدا أنه في تلك الأيام الصعبة ذات الظروف الاقتصادية الكاسدة وتزايد أعداد الفتيات الآتي في سن الزواج مع خوف العنوسة وقلة فرص العمل أمام الشباب؛ قد تجعل أسرا كثيرة تسرع في قبول أي متقدم للخطبة، وتتساهل كثيرا لأجل إتمام الأمر، وهذا محمود؛ ولكن لا بد أن تكون هناك ضوابط؛ إذ لا بد أن يكون ذلك التساهل في المادة وليس من أجلها.. فلا نتساهل في السؤال وتحري الدقة ومراعاة التوافق، ونزوّج الفتاة من رجل لا تتفق معه لأجل الظروف الكاسدة؛ بل نيسر التكاليف على الخاطبين لكي نزوّج الفتاة من الرجل الصالح بعد التأكد من جديته.
كل ما سبق لا بد أن يكون مقرونا بمناقشاتٍ ودودة وموضوعية مع الابنة؛ إذ كيف نعزلها عن المشاركة في التفكير من أجل اختيار شكل حياتها المقبلة، وهي التي ستصبح زوجة وأما مسؤولة؟!
علينا ألا نلهث وراء التخلص من مسؤولية الفتاة؛ بالزج بها في قفص زواج هي لا تريده؛ فنحن في تلك الأوقات والظروف؛ بحاجة دوما إلى ثباتٍ وتروِّ في تقرير مصير بناتنا، وبحاجة إلى تفهمٍ وصبر لمساعدتهن في اختيار وقبول الشريك المناسب للحياة، الأمر ليس مجرد تخلص من المسؤولية أو خوفاً من العنوسة، بل هي حياةٌ أخرى سوف تنبنى وتَعمُر وتضيف للإنسانية، أو سوف تستحيل جحيماً وتنهدم وتقضي على من فيها ومن حولها.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.