شعار قسم مدونات

الإعلام كالطقس

BLOGS - MEDIA

وأنا أحدث صديقي عن الإعلام بدأت كالمعتاد بسرد مقولتين، كنت قد حفظتهما و لا أجد فرصة إلا وتجدني أرتلهما: قول للرئيس الأمريكي توماس جيفرسون "لو أنني خيرت بأن تكون لدينا حكومة بدون صحافة أو صحافة بدون حكومة لما ترددت لحظة في تفضيل الخيار الثاني"، أما القول الثاني فهو للرئيس ريغان حيث قال بأن "فشلنا بحرب الفيتنام كان بسبب فشلنا باستخدام الإعلام". 

وما كدت ألفظ آخر كلمة حتى أشار بيده -صديقي- أي توقف، وإستطرد قائلا: لقد مللت من سماعها وتكرارها ولا أريد سماع المزيد فقد أَخبرتني أيضا عن لجنة كريل التي أنشأتها إدارة وودرو ويلسون، فستة أشهر فقط كانت كافية لتغيير من قناعات الشعب الأمريكي المناهض للحرب إلى المتعطش لها، بل وكيف حَوَّلَتْهُ لراغبا في تدمير كل ما هو ألماني من أجل إنقاذ العالم، ثم صَمَت قليلا وتفتحت عيناه وكأنه يبحث عن كلمة في دفاتر ذاكرته.. لينطق بصوت خافت عال التركيز: وأذكر أيضا أنك قرأتها في كتاب "السيطرة على الإعلام" لمؤلفه نعوم تشومسكي.

الإعلام آلياته ديناميكية يصعب فهمها وضبطها من أجل التحكم فيها فهي متغيرة، فما أشبه الإعلام بمفهوم القوة عند "جوزيف ناي" الذي يقول بأن: القوة تشبه الطقس يعتمد عليه ويتحدث عنه كل شخص ولكن لا يفهمه إلا قليلون.

فلما انتهى من كلامه أصابتني دهشة ولم أجد ما أعبر به سوى نصف ابتسامة تظهر على مُحَيا كل من مر بموقف محرج، ولكن وقر في نفسي حينها أن الحديث عن تأثير وسائل الإعلام ودورها في صناعة الرأي العام و بناء صورة ذهنية أصبح مملا كونه من المسلمات، ولم يعد هناك دافع يشجع على البحث فالكل بات مُدْرِكَا مدى قدرة الإعلام على التأثير بما في ذلك صاحبي.

وأنا في ذاك السياق راودتني بعض التخمينات في جملة من الأسئلة أهمها كيف لا يزال هذا التأثير فَعَّالًا بالرغم من الوعي الجمعي الذي تبلور حول تأثير الإعلام وتحوله لقناعة، هاته الأخيرة التي تكونت أساسا عبر مسارات معينة، التاريخ أثبتها والواقع دائما يعززها، فأين يكمن الخلل؟ إذن من المخطئ الاعتقاد بأن الإحاطة بظاهرة معينة كفيل بعدم وقوعها فذاك كمن يجادل بأن معرفة المرء بالسحر كاف لإبطاله!

و في محاولة لفهم -فعاليته- نُفَكِّكُ ميكانيزماته، نبحث في الدعاية وكيفية إنتاجها، توظيفها، تعميمها.. نتساءل عن دور الصورة ومدى الاستجابة لها، فِعْل التكرار ودوره في التوجيه والترسيخ، لكن وأنت تبحث في كل هذا تجد نفسك تخضع لمفعوله فتشعر بالإحباط نتيجة أنك كنت في مواضيع كثيرة حيث يراد لك من دون إِدْرَاكٍ منك بل وبالاعتقاد عكس ذلك، فقد صدقت وروجت ودافعت فقط الشيء المميز أنك قمت به بالمجان.

ما يميز الإعلام أن آلياته ديناميكية يصعب فهمها وضبطها من أجل التحكم فيها فهي متغيرة، فكلما عُرِفَتْ طريقة استبدلت بأخرى، فما أشبه الإعلام بمفهوم القوة عند "جوزيف ناي" الذي يقول بأن: القوة تشبه الطقس يعتمد عليه ويتحدث عنه كل شخص ولكن لا يفهمه إلا قليلون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.