شعار قسم مدونات

الزانية العظيمة والعدالة الدولية

blogs الولايات المتحدة
انقلاب المعايير

ماذا لو حكم القتلة والمجرمون العالم وماذا لو كان اللصوص وقطاع الطرق هم من يتحكم بثروات العالم ونقده ومصارفه وماذا لو كانت الحظوة في وسائل الإعلام للقادة السفاحين ومرتكبي الإبادة الجماعية. من ضمن الرؤيا الممتزجة بالأساطير يتحدث سفر الرؤيا عن الزانية العظيمة التي تسكن في بلاد ذي أنهار وبحيرات عظيمة وتجلس فوق وحش ذي سبعة رؤوس وعشرة قرون وسبعة تيجان ذهبية هذه الزانية العظيمة تنشر العهر والرزيلة في كل الأرض فتسقي جميع الأمم من خمرة زناها وتضاجع العاهرة كل ملوك الأرض فيسكرون من خمرة زناها يرى العديد ممن قرأت لهم أن هذه إشارة للولايات المتحدة فهل ما يعتقدونه حقيقة أم أنها أساطير.

غياب العدالة والقصاص

بإعجاز، لخص القرآن الكريم أهمية العدالة والقصاص في استقامة حياة بني آدم فقال تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ" وقديما قيل من أمن العقوبة أساء الأدب فحين يشعر ديكتاتور أنه محمي بقوى دولية عظيمة ويستطيع أن يقتل من البشر ما يشاء وكيف يشاء سنرى بوش وفلاديمير بوتن وبشار الأسد يتصرفون بهذه الثقة فالكارثة تكمن حينما يصبح الحق محتكراً للقوة وتسحق فيه الشعوب الضعيفة.

غياب العدالة وسيادة منطق القوة قد يفني البشرية وينتج أمرين:
الغرب الآن أصبح معادياً للتاريخ يريد أن يوقف سير شعوب منطقتنا نحو الحرية والديمقراطية بدعمها المطلق للديكتاتوريين

1- يصبح البشر على مشارف موجات انتقام حادة من الطغاة، وكأمثلة: نذكر الثورة الفرنسية حيث انتقم العوام بقسوة من طبقة النبلاء وكيف انتقمت خمس دول أوروبية من اليهود بما دعي محاكم التفتيش نتيجة لأفعال اليهود وإن شعور شعب بالمظلومية سيجعل المظلوم يستخدم حتى أظافره للنيل من جلاديه وهذا ما يفسر لماذا يفجر المرء نفسه أو يحفر الأنفاق لأشهر طويلة ويستخدم كل وسيلة متاحة لينتقم من ظالميه.

2- انفلات قوى الشر من عقالها، فنرى هتلر والتتار وضحايا الروهينغا في ميانمار وروندا وغيرها من التطهير العرقي ونرى إبادة عشرات الملايين من سكان أمريكا وأستراليا الأصليين لأن الطيبين من الهنود الحمر هم الموتى فقط كما كان يقول الأمريكان الجدد.

عصر الأعاجيب في العصر الحديث

رغم التقدم في العلوم نرى مفارقات عجيبة ففي الوقت الذي أنشئت الأمم المتحدة لتحمي الأمن والسلم الدوليين وأنشئت الكثير من الأنظمة لتحمي العدالة والسلم الدوليين منها على سبيل المثال لا الحصر اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية 1948، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1965، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966، الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب 1999، الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي 2005، رغم كل هذه القوانين الدولية الجميلة نجد وكما قال أحد المعارضين السوريين أن الغرب الآن أصبح معادياً للتاريخ يريد أن يوقف سير شعوب منطقتنا نحو الحرية والديمقراطية بدعمها المطلق للديكتاتوريين.

فنجد أنه يدعم انقلاب السيسي الدموي ويدعم بفجاجة بشار الأسد رغم قتله مليون شخص من السوريين وتشريده لأكثر من عشرة ملايين وتدميره لحوالي 60 بالمائة من أبنية سورية والحجة الأغرب لا بديل لبشار الأسد أي أن شعب من 25 مليون داخل سورية و27 مليون مهجرون من سورية لا بديل فيهم ل "كيم إيل سونغ" السوري في نظر حكام الغرب ونجد نفس المنطق في دعم إسرائيل ودعم حفتر ودعم الحوثيين في اليمن أو دعم المالكي سابقا في العراق.

الصراع الحقيقي

بدون شك أن هناك أشخاصاً من كل الشعوب موظفين ومسئولين دوليين أو أشخاصا ومنظمات مستقلة يريدون تقدم البشرية عموماً ونشر العدالة ويسعون لذلك ولا يرون أن ذلك مناقضا لمصالح بلادهم وشعوبهم ونعتقد أن ما أنجز في مجال حقوق الإنسان ثمرة لعملهم وهناك من المسئولين الدوليين والأفراد ما يريد عكس ذلك ويسعى لتكريس الظلم ومنطق القوة في العالم لأنهم يرون أن ذلك فيه مصلحتهم الخاصة أو الوطنية، وهنا يكمن الصراع الحقيقي في العصر الحديث الذي أصبح فيه العالم دولة كونية واحدة بين من يحمل أفكار وممارسة إنسانية صحيحة وبين نقيضهم من الأشخاص الذين يحملون أفكار استعلائية ظالمة لا تمت للحق أو للعدالة بصلة ورهان البشرية على البشر الأصحاء الذين يفهمون المعنى الشامل للحق والعدالة والإنسانية ومرارة الظلم وآثاره الكارثية على كل البشر بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم.

اجتماعات وفعاليات لدعم القضية الفلسطينية بمقر الأمم المتحدة (الجزيرة)
اجتماعات وفعاليات لدعم القضية الفلسطينية بمقر الأمم المتحدة (الجزيرة)

منظومة الأمم المتحدة يفترض أن تكون هي راعية الأمن والسلم الدوليين ولكن التناقض يكمن في تكوين المنظومة الدولية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة لسيطرة الحذاء العسكري للحلفاء على الأمم المتحدة فنشأت قضية الدول الخمس والفيتو مناقضة لدروس الحرب العالمية الثانية ففي فكرة الفيتو أو ما يدعى حق النقض مبدأ ظالم إذ يسمح لدولة متنفذة أن تحبط ما لا يوافقها ولو اتفقت كل دول العالم على عكس ما تريد تلك الدولة فنجد أن روسيا استخدمت الفيتو 120 مرة والولايات المتحدة 77 مرة وبريطانية 32 مرة وفرنسا 18 مرة والصين 5 مرات، وإن أي استخدام للفيتو يعني أن هناك إجماع دولي على قرار ما والإجماع عموما يفترض أن يكون صحياً لكن مصالح دولة ما لا تكون موافقة للمصلحة العالمية فتستخدم الفيتو عكس الرؤيا لمجموع الدول وهنا يكمن الظلم والواجب أن يستبدل الفيتو بالأكثرية المطلقة للدول وإجبار الدولة أيا كانت على إتباع رأي غالبية دول العالم والتي يفترض أن تصوت لجهة العدالة والحق في القرارات الدولية أو يلغى مجلس الأمن ويستبدل بإجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة فهذا أقرب وأكثر واقعية في تحقيق العدالة الدولية وتصبح مهارة دول مجلس الأمن أن تقنع أعضاء الجمعية العامة بصوابية رؤيتها لقرار ما.

الراعي عدو الغنم

حينما يكون قادة الدولة مجرميها ومغتصبي ثرواتها يعملون بوصاية دولية ولا تنفع قدرات وتضحيات الشعوب في إزالتهم السريعة وحين تكون الدولة الأعظم في العالم راعية الديكتاتوريين وسارقة مليارات الشعوب بحجة الحماية من أخطار هي تصنعها في 11 أيلول وفي الخليج العربي بدعمها لإيران بتسليمها العراق وغيره لتضمن السيطرة على النفط والثروات والشعوب نكون بالفعل في عصر عجيب تنطبق عليه وصف الزانية التي تضاجع ملوك الأرض لتنشر الرزيلة في العالم ويبدوا الصراع طويلا وصعباً جدا معها بلا شك، فما العمل حين انسداد الأفق السياسي للتغير نحو الأفضل؟

كيف السبيل بالتأكيد، ليس الأمر نزهة جميلة بوجود المنظومة الدولية التي تدعم القادة الديكتاتوريين كبشار الأسد ودولة إسرائيل وغيرهم وتريد تثبيتهم بالقوة فوق شعوبهم وسحق أي إرادة للحرية والتطور وابتغاء العدالة وخاصة حين لا يكون بين يدي النخب قوى مادية أو عسكرية حاليا لإصلاح الخلل العالمي، اعتقد أن العمل يجب أن يتم على ما يلي:

 يقوم المجرمون بإغراق الآخرين بالتفاصيل وتحصيل التنازلات منهم بشكل تدريجي كما حصل للقضية الفلسطينية عبر 70 عاماً من تحويلها من قضية عالمية لقضية عربية ثم فلسطينية ثم قضية فصائلية ثم قضية فك حصار ومعابر
 يقوم المجرمون بإغراق الآخرين بالتفاصيل وتحصيل التنازلات منهم بشكل تدريجي كما حصل للقضية الفلسطينية عبر 70 عاماً من تحويلها من قضية عالمية لقضية عربية ثم فلسطينية ثم قضية فصائلية ثم قضية فك حصار ومعابر
 

1- إبطال مسوغات الجريمة، فالمجرم بحاجة لتبرير ما ولو كان شكلياً حين يقوم باحتلال بلد ما أو قتل شعب ما وهنا دور الأحرار في كل العالم ومن كل الجنسيات في إبطال وتفنيد مسوغات التي يسوقها المجرمون لتبرير جرائمهم وعادة تنطلق التظاهرات والأقلام في كل دول العالم للتنديد بالظلم فيجب التفاعل معها من أحرار العرب والمسلمين وعدم الانسياق لتوصيف الأمر كما فعل هينتغتون بأنه صراع حضارات بل هو صراع بين أحرار البشر وبين طغاتهم من كل الأعراق والأجناس.

2- التمييع والتدرج، عموماً يقوم المجرمون بإغراق الآخرين بالتفاصيل وتحصيل التنازلات منهم بشكل تدريجي كما حصل للقضية الفلسطينية عبر 70 عاماً من تحويلها من قضية عالمية لقضية عربية ثم فلسطينية ثم قضية فصائلية ثم قضية فك حصار ومعابر وبالنسبة للشعب السوري تم خلال 7 سنوات تحويل القضية من قضية تحرر من حكم آل الأسد الدموي لقضية توحيد معارضة ثم قضية لا بديل عن الأسد لقضية الأسد أحسن السيئين ثم التشارك مع الأسد في الحرب على الإرهاب لقضية إعادة تعويمه بأنه الحل البديل عن تقسيم سورية ومؤتمرات جنيف وأستانة وسوتشي وغيرها والحل لمقاومة هذا الأمر يمكن في التركيز على المبدأ الأساسي للقضية وعدالتها وعدم السماح بالغرق في التفاصيل.

3- الزمن، هم يراهنون على الزمن لتثبيت الظلم وضياع حقوق الضحايا ويجب مقاومة ذلك بالزمن أيضا فلا تضيع الحقوق بالتقادم ولا تتغير الحقائق مهما طال الزمن والصراع صراع تاريخ بين الحق الذي لن يعدم أنصارا وجنوداً مهما طال صراعه مع الباطل ونختم بثقتنا بأن الغلبة في النهاية للإنسانية والحق مهما طال الزمن فسيذهب الزبد وسيبقى ما ينفع الناس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.