شعار قسم مدونات

أحمد شفيق.. برهامي الطرف الآخر!

blogs أحمد شفيق

بعد ثورة يناير وبعيدا عن ضوضاء برامج التوك شو وصخب الميادين التي كانت لا زال تضج بالمتظاهرين كان هناك ما يشبه التوافق بين الباحثين الجادين على أن ضوضاء الثورة ستخفت أمام صناديق الاقتراع وأن هذه الصناديق ستمثل بصورة أفضل توجهات عشرات ملايين المصريين. الأبحاث المختلفة التي استطلعت اتجاهات الشعب المصري لم تقف عند هذا الحد بل تجاوزته للإشارة إلى أن تلك الاتجاهات تتوزع على قوتين رئيسيتين في مصر الدولة العميقة وفي القلب منها الجيش ومعه الأجهزة الأمنية والشعب المصري الساخط على مبارك وفي القلب منه الإسلاميين الذين كانوا في تلك الفترة يتجمعون في دوائر حول جماعة الإخوان المسلمين ويقر كثير منهم لها بالخبرة والكفاءة في هذا المجال.

بناء على هذا التحليل لم يدخر الحاكمون وقتها جهدا لتركيز تمثيل مؤيديهم في ممثل واحد "عمر سليمان ثم شفيق وأخيرا السيسي" وتفتيت الدائرة الثانية قدر المستطاع. في دائرة الشعب عملوا على فصل "الإسلاميين" عن الثورة ثم قاموا بتفتيت الإسلاميين عن طريق دفع قيادات غير مسيسة لمنافسة الإخوان على جمهور المساجد. وقتها تحديدا ظهر للعيان حزب النور بخطابه الذي يبدو أكثر تمسكا بالمظاهر الإسلامية. لعبة قديمة جدا أن يزايد على الإسلاميين التقليديين بخطاب أكثر "راديكالية" يسحب بعدها أنصار جدد لدائرته المستحدثة ثم فعليا لا يستفيد من هذا الدعم الشعبي لتحقيق أي أهداف "إسلامية" أو ثورية!

في انتخابات البرلمان نجح حزب الحرية والعدالة المشكل من قبل الإخوان في خوض الانتخابات ضمن تحالف ضم 11 حزبا ثوريا ليس من بينهم حزب النور! وفي الرئاسة نجح المرشح المدعوم من الإخوان من حصد نصف أصوات الناخبين فيما صوتت قيادات حزب النور لمرشح حل رابعا في ترتيب الأصوات! في المقابل لم تبد قيادات المجلس العسكري أي تسامح مع ظهور ممثل آخر يرث الدولة العميقة بمؤسسات الحزب الوطني المنحل وبالجهاز الإداري للدولة وبأجهزة الأمن. فهل يكون أحمد شفيق برهامي الجيش؟

ليس فرضا على الثوار الأحرار أن يقطعوا المشوار ويعلقوا صور شفيق في الشوارع والطرقات ولا أن يصوتوا له في صناديق الاقتراع لكن لا مانع من أن يستفيدوا من كسر احتكار السيسي لدائرة الجيش
ليس فرضا على الثوار الأحرار أن يقطعوا المشوار ويعلقوا صور شفيق في الشوارع والطرقات ولا أن يصوتوا له في صناديق الاقتراع لكن لا مانع من أن يستفيدوا من كسر احتكار السيسي لدائرة الجيش
 

فعليا هناك دائرتان الآن في مصر تمتلك كل دائرة منهما القدرة على حشد تأييد قيادات في مختلف المحافظات وتوفير مندوبين في اللجان وحصد دعم أطراف لها قدرة على التأثير في عملية التصويت عن طريق حشد الأصوات في الصناديق.

الدائرة الأولى: المسلحون من الجيش والشرطة الذين يحكمون بعد 3/7 بدعم الجماعات الوظيفية من رجال أعمال وكفيل خليجي إقليمي وقوى دولية، تحظى هذه الدائرة بدعم كامل الجهاز التنفيذي للدولة والقيادات التقليدية للحزب الوطني وبدعم مجموعة شعبية واحدة هي قيادات الكنيسة المصرية والأقباط الذين يسيرون وراءها رغم معاناتهم ككل المصريين بسبب الفزاعات. للتأكد من ذلك يكفيك قليل من البحث في حسابات مؤيدي شفيق السابقين لترى بعينك كيف تحول العشرات منها من دعم السيسي لدعم شفيق بعض هؤلاء قياديون سابقون في أجهزة الدولة وفي الحزب الوطني المنحل.

الدائرة الثانية: الشعب الذي عبر عن خياراته الأيدولوجية والسياسية في استحقاقات ما بعد الثورة والتي كان أبرزها اختيار الرئيس محمد مرسي في انتخابات 2012 هذا الشعب الآن يعاني تحت وطأة حكم الدائرة الأولى التي نجحت تماما في إخراجه من المعادلة بعد انقلاب 3/7 "لا انتخابات حقيقية – لا مظاهرات – لا حرية إعلام – لا حرية صحافة.

ترشح شفيق أمس قد أربك الدائرة الأولى لأنه نافس السيسي الذي احتكر تمثيل المسلحين وأتباعهم بعد تلاعبه بكل مكونات منصة الانقلاب العسكري ولم يتهاون مع أي شخص حاول منافسته فيها، "أنا ممثل الدولة وممثل الجيش وممثل الدولة العميقة ولن أسمح لغيري بوراثة أصوات الحزب الوطني المنحل وأنا وريث أصوات شفيق ووريث عمر سليمان ومن قبلهم مبارك".

ليس فرضا على الثوار الأحرار أن يقطعوا المشوار ويعلقوا صور شفيق في الشوارع والطرقات ولا أن يصوتوا له في صناديق الاقتراع لكن لا مانع من أن يستفيدوا من كسر احتكار السيسي للدائرة الأولى ويخرجوه من حال الاحتكار التي منعته من صياغة برنامج انتخابي ومن تقديم أي إصلاحات سياسية ومن الاستقواء بالكفيل للتنصل من تحقيق أي شيء. وتبقى معركة مصر الحقيقية هي التي تخضع بموجبها الدائرة الأولى لحكم الدائرة الثانية بعد استعادة الديمقراطية حيث تخضع السلطات التنفيذية لحكم الشعوب، وهذه المعركة تنتظر استكمال أدواتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.