شعار قسم مدونات

الجيش المصري.. كيف حوله السيسي جيشه الخاص؟

Blogs- السيسي
بعد أسابيع من الانقلاب دشن السيسي معادلته للسيطرة على مصر والقضاء على أي احتمال مهما كان ضئيلا قد يزيحه عن منصبه وربما يحيله إلى المحاكمة، السيسي أدرك سريعا أن قدراته لا تؤهله للمنافسة على منصب الرئاسة في جو من الحرية كما كان واضحا له من البداية أنه لن يكون الخيار الأمثل للفاعلين الدوليين ولا للناخبين المصريين فقرر الاعتماد على المعادلة الأسهل والأقرب لكل عسكري الحكم العسكري المباشر.
 
وإذا كان الجيش يقف بكامل قوته خلف السيسي تحت وقع الدعاية المستمرة فماذا يضمن للسيسي أن يستمر هذا الدعم دون نقصان أو تغيير لأجل ذلك اتخذ السيسي خطوات لضمان استمرار الدعم من قوات مصر المسلحة له
 

القضاء على المنافسين المحتملين
لم يبد السيسي أي قدر من التسامح تجاه أي شخص قد ينافسه على دعم المسلحين، السيسي أدرك أن ما يحدد بقاءه في السلطة ليس أصوات الناخبين الذين يحق لهم التصويت في الصناديق وإنما دعم المسلحين الذين لا يصوتون في صناديق الاقتراع وإنما يحتكرون صناديق الذخيرة، فأقصى سامي عنان وحارب أحمد شفيق من اليوم الأول وأقال كل رفقاءه من المجلس العسكري من مناصبهم الهامة إلى البيوت أو إلى أماكن تبعدهم عن الاتصال بصغار المسلحين جدير بالذكر أن المجلس العسكري الذي وقف خلف السيسي في الانقلاب لم يبق فيه جنرال في مكانه مع استثناء رفيق السيسي المحصن والذي سنأتي على ذكره لاحقا.
   
عزل الجيش اقتصاديا عن الشعب
يدرك السيسي تماما عواقب ما فعله خلال السنوات الماضية بمنظومة الاقتصاد المصري ويدرك كذلك أثر إجراءاته على ملايين المصريين لكنه يعلم تماما أن الدعم المالي لجنرالاته عامل مهم من عوامل استمراره في الحكم ولو كلفه رضاء الناس، السيسي زاد من المجالات الاقتصادية المحتكرة من قبل الجيش فدخل به مجال صناعة الأدوية والاتجار في المستلزمات الطبية وجعله كفيلا لمجال العقارات يبني المشروعات بنفسه أو يكفل شركات العقارات المدنية ليتربح من السمسرة.
   
استخدم السيسي المصريين الذين يجندهم من مدن وقرى مصر للعمل لصالح مشروعات تدر مليارات الجنيهات على جنرالات الجيش
استخدم السيسي المصريين الذين يجندهم من مدن وقرى مصر للعمل لصالح مشروعات تدر مليارات الجنيهات على جنرالات الجيش
    
احتكر رصف الطرقات وفرض على المصريين رسوما لاستخدام تلك الطرق للانتقال أو للنقل دخل مجال الاستزراع السمكي والتأمين كما دفع بالعصار رفيقه السابق في المجلس إلى مجال التصنيع المدني عن طريق وزارة الإنتاج الحربي التي تورد الأجهزة الطبية وتصنع عدادات المياه وعدادات الكهرباء كما اقتحم السيسي بالجيش مجال مكيفات الهواء صناعةً واستيرادا وفي كل مجال من هذه المجالات كان آلاف وربما ملايين المصريين يفقدون وظائفهم لصالح المجندين الذين يقومون بنفس تلك الأعمال دون مقابل يذكر.
  
في المحصلة السيسي استخدم المصريين الذين يجندهم من مدن وقرى مصر للعمل لصالح مشروعات تدر مليارات الجنيهات على جنرالات يتكسبون من خلال نظام مالي دشنه السيسي بعيدا تماما عن المصريين العزل هذ النظام به صناديق سيادية مثل صندوق تحيا مصر الذي لا يعرف أحد كم به من مبالغ وتحال إليه أرباح مشاريع تم تأميمها لصالح الجيش خصيصا منها طرق وملاعب رياضية وصالات أفراح ومخابر ومصانع.
 
كل ما سبق بخلاف الزيادات المباشرة للبدلات والمرتبات التي أحصاها البعض ووصلت إلى 15 زيادة خلال بضع سنوات في ظل تسريح للموظفين الحكوميين وتقليل من مستحقاتهم، في المحصلة المسلحون حول السيسي يزدادون غنىً في الوقت الذي ينزل فيه مصريون جدد يوميا تحت خط الفقر بسبب سياسة "هتدفع يعني هتدفع" المطبقة على المدنيين العزل وحدهم.
  

أسس السيسي جيشا خاصا يختار قياداته وضباطه على أساس الانتماء له أولا والكفاءة القتالية ثانيا بعيدا عن البيروقراطية العسكرية، حماية له في حال تم الانقلاب عليه
أسس السيسي جيشا خاصا يختار قياداته وضباطه على أساس الانتماء له أولا والكفاءة القتالية ثانيا بعيدا عن البيروقراطية العسكرية، حماية له في حال تم الانقلاب عليه
 

تجفيف منابع العسكريين المتعلمين

تتركز القوة الأساسية للجيش في الضباط وضباط الصف الذين التحقوا بكليات ومعاهد الجيش بعد دراستهم الثانوية في سن 19 عاما بعد دراسة لم يُحَصِلوا فيها مجموعا كبيرا مما يفصل هؤلاء الضباط عن مجتمع الجامعات الأكثر انفتاحا من بقية المجتمع والتي يختبر فيه الطلاب أفكارا جديدة ويقابلون فيها رفقاء لهم أفكار واتجاهات أخرى. وبخلاف هؤلاء الذين لم يعرفوا حياة بعد الثانوية خارج معسكرات التدريب هناك الضباط المتخصصون وهم طلاب مصريون تخرجوا من جامعات مدنية زاملوا فيها أقران لهم ومارسوا معهم حرية نسبية يدخلون الجيش بعد دراسة الطب لمدة سبع سنين أو الهندسة.
 
وللضباط المتخصصين سوابق في الخروج على النسق العسكري السائد أشهرها ما عرف بقضية الفنية العسكرية التي حاول فيها عدد من هؤلاء الضباط القيام بانقلاب عسكري عام 74 أسفر عن مقتل 17 من الجيش في محاولة السيطرة على مبنى الكلية الفنية العسكرية كمقدمة للسيطرة على مبنى البرلمان ومبنى الاتحاد الاشتراكي، وبعد الانقلاب حكم القضاء العسكري على 21 ضابطا أغلبهم ضباط متخصصون بالحبس مددا طويلة بعد اتهامهم بالتخطيط لانقلاب عسكري على السيسي.
 
أدرك السيسي خطورة أن يكون بالجيش ضباط لا يسيرون مع التيار العسكري دائما فوضع قبل الانقلاب العسكري بأيام أساس كلية الطب بالقوات المسلحة التي بدأت عملها فعليا من العام الدراسي 2013/2014 ومن المتوقع أن تنتهي تعيينات خرجي الطب بالقوات المسلحة بعد تخريج الدفعة الأولى من هذه الكلية عام 2022 ليكون كل المسلحين بالجيش منفصلون عن الحياة المدنية من يوم تخرجهم من الثانوية.
  
استنزاف وإبعاد المجندين
على عكس ما كان متوقعا خفف الجيش كثيرا من معاييره التي كان يطبقها لاستقبال المجندين الجامعيين والفنيين بعد الانقلاب، كل من مر بمراكز التعبئة والتجنيد التابعة للجيش قبل الثورة يعرف أن انتماء المجند أو أحد أبويه أو أحد أعمامه إلى أي تنظيم سياسي أو اجتماعي بخلاف الحزب الوطني الحاكم وقتها مبرر كاف لاستبعاده من الخدمة بالجيش واستلام ورقة الاعفاء الأمني هذا الإجراء لم يتوقف مع دخول دفعات 2011 و2012 رغم قيام الثورة فتم استبعاد الطلاب أبناء الإخوان وأبناء الكوادر السياسية.
 

رغم العلاقة الطويلة والتاريخ المشترك بين صبحي والسيسي فإننا وبتتبع ما اتخذه السيسي من إجراءات سابقة ربما نشهد حدثا ما يزيح أحد الرجلين من طريق الآخر عاجلا أم آجلا
رغم العلاقة الطويلة والتاريخ المشترك بين صبحي والسيسي فإننا وبتتبع ما اتخذه السيسي من إجراءات سابقة ربما نشهد حدثا ما يزيح أحد الرجلين من طريق الآخر عاجلا أم آجلا
  

لكن العجيب أن هذه الفلترة توقفت مع دخول أول دفعة للتجنيد بعد الانقلاب العسكري على عكس ما كان متوقعا، أبناء الإسلاميين وحتى أبناء الإخوان يتم تجنيدهم بالجيش ثم يتم إرسالهم مع عدد كبير من المجندين مجهولي التوجهات إلى سيناء المعزولة عمليا عن بقية الدولة بفعل الجغرافيا أولا وبفعل الانشغال الكبير لقوات الجيش هناك بسبب الحرب الدائرة هناك ثانيا: لست هنا من أنصار نظرية افتعال السيسي للحرب هناك لكني أؤمن أن السيسي يستفيد من استمرار الحرب هناك هو من جهة يجمع المسلحين المعارضين في أرض لا تشكل تهديدا استراتيجيا لحكمه مقارنة بوجودها في الدلتا والصعيد ومن جهة أخرى يبقي نسبة معتبرة من قوات المشاة المسلحة منشغلة عن مجرد التفكير في السياسة ومغانمها.

  
طبعا في ظل شح المعلومات عن توزيع قوات المجندين إلزاميا بين الوادي وسيناء لا نعرف تحديدا كم بقي من أبناء المصريين المجندين في مراكز الجيش في الدلتا والصعيد لكننا نعرف عشرات الأمثلة لمجندين من أبناء عائلات عرفت بعدم توافقها مع سياسات الجيش قضوا في تفجيرات سيناء وفي حروبها على يد المسلحين.
   
جيش خاص في مواجهة الجيش
قضى عبد الفتاح السيسي شهوره الستة الأخيرة قبل أن يغادر منصب وزير الدفاع في تشكيل قوات التدخل السريع، القوات تم تسليحها بأحدث المعدات والذخائر التي لا يملك بعضها الجيش المصري نفسه، وهي رغم أنها جهزت خصيصا للتدخل السريع كما يظهر اسمها إلى أنها مسلحة بفرق دبابات وبطائرات مقاتلة وطائرات نقل عسكرية بخلاف الأسلحة المتوسطة والخفيفة وبمعدات للدفاع الجوي المتحرك وللقذف المدفعي المتحرك أرضاً.
   
تاريخيا كانت حماية الرئيس من انقلاب الجيش ضده مهمةَ سلاح الحرس الجمهوري لكن ربما الدور الذي لعبه هذا السلاح في ثورة يناير وانضوائه عمليا وقتها ضمن أسلحة الجيش ورفضه تقديم حماية خاصة لمبارك في وجه المجلس العسكري دفعت السيسي لتأسيس جيش خاص يختار قياداته وضباطه على أساس الانتماء له أولا والكفاءة القتالية ثانيا بعيدا عن البيروقراطية العسكرية التي تسيطر على بقية أفرع القوات المسلحة والتي ظهر أثرها في كفاءة عمليات الجيش بسيناء في مواجهة عشرات المسلحين.
  

صدقي صبحي والاستثناء المربك
في هذا السياق يظهر وزير الدفاع صدقي صبحي كاستثناء وحيد لهذه القاعدة رفيق السيسي نجح في تحصين منصبه كوزير للدفاع في دستور الانقلاب وتراوحت مواقفه السياسية المعلنة تجاه السيسي بين الدعم والتأييد الكاملين إلى السكوت وربما استخدام عبارات حمالة أوجه في مناسبات أخرى، وبما أننا نعلم أن السيسي دائم التشكك والريبة في أي شخص قادر على إحداث تغيير في معادلة القوة ورغم العلاقة الطويلة والتاريخ المشترك بين صبحي والسيسي فإننا وبتتبع ما اتخذه السيسي من إجراءات سابقة ربما نشهد حدثا ما يزيح أحد الرجلين من طريق الآخر عاجلا أم آجلا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.