شعار قسم مدونات

إلى متى اليأس أيها الأديب العربي؟

Blogs- books

ولكم يعز علي أن أخالف صحبي من هواة القلم في هكذا خطاب حول الأديب العربي اليوم الذي افتتن به البعض وانبرى البعض الآخر يقلد خطاه. فإليك هذه التوطئة علك تفهم ما أريد البوح به .اعلم يا صديقي أن الكاتب يبدع حقا عندما يسطو القلم الذي بين أنامله، فلن تجد أجمل وأصدق من تلك المعارك الأدبية التي يكون فيها القلم سيد الموقف، إذ يكشف عن خفيات النفس ودخائل الطباع ما أمكنه أن يكشف، في استسلام صارخ وخضوع تام من طرف الكاتب الذي يكتب، فلا يدع أمرا من أمور نفسه إلا ويخطها دون تردد، فالصولجان للقلم والقلم الآن هو سيد الموقف، ولا خبأت عنك أمرا ولا أخفيك سرا أنه كم تكون سطوة القلم بين يدي آخذه، إذ يكشف عن كل مضمرات الكاتب رغم أنفه، فيبدي كل صغيرة وكبيرة وجل ما في طوايا نفس الأديب من بواعث التنكيت والتبكيت.

 

هكذا بنوائحه وأهازيجه يكون مصفدا بين يدي القلم وسطوته، فتخرج لنا مثل هذه المعارك الأدبية الجميلة الدائرة بين فحول الأدب العربي القديم، لأنهم كانوا يعيشون في كنف اللغة ويترفلون كالأسياد في دولة سادها العدل والرخاء، فيكتبون عن العزة ما شاءوا، ويتصنعون المراثي متى أرادوا.

  

لعلك قد فهمت الآن قصدي أيها القارئ؛ فالقلم يسطو على الكاتب حتى يلفظ بالقوة ما في صدره من أفراح وأتراح، وهنا مربط الفرس يا سيدي. فالأديب العربي اليوم أمسى لا يكتب لنا إلا ما يحزن القلوب ويضر بالخاطر، وهو في ذلك يحسب نفسه معذورا! فالأديب كما يعتقد هو مترجم لمحيطه، والمحيط هاهنا محيط عربي بئيس قد هاج وماج من كثرة البؤس، فعلاه السواد من كل جهة حتى تشكلت هالة سوداء على ناصيته مكتوب عليها: "أنا العربي ابن الأندلس، وبغداد العلم كانت موطني".

 

أين هو الأديب المتفائل الأصيل الذي سيغني لنا اللحن الجميل الذي ينبئ عن غد أجمل رغم هذا السواد الكالح الذي يعتلي واقعنا الأسيف؟
أين هو الأديب المتفائل الأصيل الذي سيغني لنا اللحن الجميل الذي ينبئ عن غد أجمل رغم هذا السواد الكالح الذي يعتلي واقعنا الأسيف؟
 

ما أقبح هذا التبجح الذي وصلنا إليه من دون أي عطاء، حتى صار كلامنا بين الناس كان أبي وكان جدي، ولا أحد فينا يترجل فيقول ها أنا ذا، والأمر من ذلك أن تجد هذا المقطع الذي يعود للمتنبي على طرة كل لسان عربي، إذ يردده الواحد منا في كل لحظة قائلا "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم" فليت شعري يا فتى من تقصد؟! إن كنت تقصدنا فما هي آخر إبداعاتك؟ وإن كنت تقصد نفسك فلم نستحيي ولو قليلا قليلا.

 
وبعد فلقد بقي ما قلته لنفسي آنفا معلقا في ذهني لا أكاد أنساه وهو أن الأدب العربي اليوم قد انقلبتت فطرته فصار يحوي بداخله من هزيل القول أكثر من احتوائه للمعاني النفيسة، فكيف لا وأغلب الأحداث والوقائع تدعو للهزيمة النفسية، بل وكيف لا وأغلب الواقفين على باب الأدب أوصياء قد خانوا التراث فذهبوا ضحية ثقافة جديدة مستوردة.

 

إذن فأين هي الأحداث التي ستجعل الأديب يعزف لنا الأمل. أو أين هو الأديب المتفائل الأصيل الذي سيغني لنا اللحن الجميل الذي ينبئ عن غد أجمل رغم هذا السواد الكالح الذي يعتلي واقعنا الأسيف؟ أيها السادة إن هذا التخبط والبؤس الذي ترونه في أقلام الأدباء كان مطلعه وبدايته من عنوان شهير لقصيدة شهيرة تعود للرندي يوم بكى الأندلس بحرقة فقال: في مطلع نونيته الشهيرة "لكل شيء إذا ما تم نقصان" ثم استرسل يستفهم عن الأطلال البائدة، ويئن تارة أخرى.. فمذ ذلك اليوم والأدباء يتخبطون وسط حروف من الأسى.
 

فيا أيها الأديب، يا أديب اليوم غني لنا اللحن الجميل ولا تقل لنا لكل شيء إذا ما تم نقصان، وإنما قل لكل شيء إذا ما انهد قيام. إذن فمن هنا أيها السادة جاءت الهزيمة، ودخلت قلب الكاتب حتى اعتقد أنه ولد للكتابة عن الحزن والألم والموت والفراق، وكل مفردات البؤس ليس إلا. حتى لكأننا خلقنا لنكتب عن الأمل، لا شيء سوى الأمل كما أفعل أنا الآن بين هذه السطور. فإلى متى أيها الأديب تظل تعزف لنا ما يحدث من موسيقى حزينة بين دفتي كتابك؟ إلى متى نظل نرزح معك ونتخبط في الأحزان؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.