شعار قسم مدونات

السلام.. نكتة سمجة

blogs - dove

  (1)

في إطار الحديث حول مفاهيم الصراع والسلام، يشير سامي الخزندار في كتابة إدارة الصراعات وفض المنازعات إلى تغير مفهوم السلام خلال العقود الماضية، فمصطلح السلام peace  كان مرتبطًا بالأفكار الشيوعية ودعايتها في "قبول الخضوع للخطر الأحمر"، في هذا السياق أصبح استخدام هذا المصطلح مُحرجًا في الغرب. وبالرغم من أن ذكر هذا النص جاء في إطار تطوير دراسات النزاع والسلام، إلا أنهم العلماء المعنين واجهوا ما أسموه مشكلة حقيقة في استخدام هذا المصطلح علميًّا وعمليًا، والسبب: الحرج المرتبط به.

 

(2)

سألت مجموعة من أصدقائي عن مفردة "السلام"، ماذا تعني لكم؟ أغلبهم من الشباب الملتصقين بالتغييرات التي حدثت خلال السنوات الأخيرة في بلدان الربيع العربي أو ما جاورها، انهمر سيل من التهكٌم والشتم والسخرية والقَدْح بأردئ الألفاظ، السلام كلمة باردة سمجة مُبتذلة، كلمة رخيصة منزوعة الدسم، هكذا يقولون..

 

(3)

أصدقائي ليسوا من أصحاب اللحى أو ممن يقيم حتى طقوسًا دينية، لم يعرفوا ابن تيمية ولا الزرقاوي، لكني أعرفهم جيدًا، أو هكذا كنت أعتقد..  حوت صدورهم ذات أمس علاقة فريدة بأوطانهم، أذكرهم ينظمون الشعر ويتلون القصائد ويعزفون الموسيقى ويرقصون الدبكة بجوار أحبائهم، يقيمون الندوات تحت شعار التغيير، يقفون في الميادين هاتفين "بكرة أحلى" وهم ملتحفين غيم الأمل الساذج. اليوم تحجّرت أفئدتهم، تكسّرت أحلامهم، عرفوا الخيبة من أوسع أبوابها، كفروا بالأمل وكل ما اتصل به. فيهم المعذّب والشريد والطريد والفقيد.. والشهيد.

 

(4)

يحكي أن هناك كلبًا صغيرًا وديعًا استدرجه غول شرير نحو قفص مليء بالثقوب وأخذ يعذبه فتحول القفص لمكان تعذيب وامتهان وعندما تكسّر القفص، فر الكلب، ولم يعد وديعًا.. الكلب توحّش

تزفيتان تودوروف صاحب كتاب (الخوف من البرابرة، ما وراء صدام الحضارات) كان يؤكد في مؤلفاته إلى ضرورة الفصل بين الإرهاب والدين الإسلامي وأن استئصال الإرهاب ينبغي أن يكون من خلال استئصال جذوره المذلة والمهينة، كان يعيد المسار دوما لطبيعة الصراعات في عالمنا، لم تكن صراعات دينية بل صراع استبداد سياسي، كان ينذر بالمآسي المحدقة بهذا العالم ما لم يعاد تعريف الأزمات بالنظر إلى أسبابها وأبعادها، من الاقتصاد وحتى تعصب النخب الحاكمة والمهيمنة على دوائر القرار..

 

لم نكن البرابرة في سطوره، بل أن "البربرية الحقيقية تتحقق حين تعتقد مجموعة بشرية ما أنها تجسد التمدن والإنسانية وترفض الاعتراف بتجربة الآخر، فتسقط في شرك الانغلاق على ذاتها". أما كتابه "نحن والأخرون" فيقدم فيه منظورا فلسفيا ينتصر لروح الإنسان ويفككّ من خلاله الثنايا الآيديولوجية للأنا الأوروبية في استبدادها للآخر، من الآخرون؟ العرب أو اليهود، العرق الأسود أو الأصفر، متحضرون أو أصحاب حضارات بائدة.. نحن الآخرون نحن البرابرة.

 

(5)

يقول في إحدى نصوصه.. "غداة اعتداءات 11 سبتمبر أيلول لوحظت مظاهر ابتهاج لدى السكان العاديين والهادئين في اسطنبول إزاء انهيار البرجين، كيف لنا أن نفهم ذلك؟" يكمل، "ليس الإسلام ولا حتى الفقر هو الذي ولَّد بشكل مباشر الدعم للإرهابيين الذين لم يسبق أن شهدنا بمثل شراستهم ومهارتهم بتاريخ البشرية، إنه بالأحرى الإذلال المهين الذي أصاب بلدان العالم الثالث".

 

(6)

في مكان آخر.. يحكي أن هناك كلبًا صغيرًا وديعًا استدرجه غول شرير نحو قفص مليء بالثقوب، أطبق عليه وأحكم القبضة، الغول الشرير ساديّ يستلذّ بتعذيب الكائنات الكسيرة ضئيلة الحجم، الغول يلقي على الكلب العصى والحجارة، الغول يطوّق الكلب بالغاز المميت ثم ينقذه مع الرمق الأخير ويضحك.. كم كان يضحك. الغول يشعل النيران حول القفص والكلب يعوي مرتعدًا، الغول يبصق على القفص، الغول يضرب الكلب من خلف السياج، الكلب ينزف يصرخ يستنجد، الكلب يلف مستغيثًا وفِي كل الزوايا يباغته الغول، ثم.. القفص الذي تحول ساحة تعذيب وامتهان لكلب وديع تكسّر أخيرًا من الأذى. الكلب فرّ من القفص، الكلب لم يعد وديعًا.. الكلب توحّش. 

 

(7)

لماذا يسحقنا العالم؟

 

(8)

لماذا أصبحت راديكالي؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.