شعار قسم مدونات

أفكار قبل أوانها..

Blogs- man

ما دعاني إلى كتابة هذه التدوينة هو منشور مرئي لصديقة لي على الفيس بوك تتحدث فيه عن وجهة نظرها حول العلاقة بين الجنسين وتدعو إلى فكرة الانفتاح وتغيير الأفكار المترسبة في العقلية العربية حول هذا الموضوع، وما أثار حفيظتي أكثر ودفعني إلى التعبير عن وجهة نظري من خلال كلماتي هذه، هي تلك التعاليق التي قرأتها على الفيديو والتي تحتوي على حوارات ساخنة وشديدة حينا وتعاليق مثيرة للسخط والسخرية حينا آخر. ولكي أقربكم من المشهد أكثر، سأحاول أن أوضح وجهة نظر صديقتي ثم أعطي رأيي في الموضوع.

       

صديقتي قالت أنها، وقبل إدلائها بدلوها في موضوع العلاقة بين العلاقة بين الجنسين، كانت تتبنى مجموعة من المعتقدات التي جعلتها تخشى التقرب من الجنس الآخر وتعتبر الغير مصدرا للخوف، وكانت دائما تضع حاجزا متينا بينها وبين أصدقائها من الذكور وأشارت إلى أن تلك الأفكار تشبعتها من مصادر دينية بالأساس، مصادر وأفكار صارت اليوم تعتبرها مجرد تفاهات ولا أساس لها من الصحة. ثم قالت بعدها أنها، وبعد العديد من القراءات والمراجعات الدقيقة، تمكنت من التخلي عن عقليتها القديمة الخاطئة لتتبنى فكراً جديداً قائما على الانفتاح على الآخر والحوار والصداقة والاحترام وتستبدل الجدار السميك من الخوف بجدار أقوى من الإنسانية والحب. وفي الأخير دعت إلى تبني الانفتاح على الآخر في ظل جو من المحبة والتسامح والإنسانية والاحترام.

        

أما وجهة نظري في الموضوع فسأبينها في النقاط التالية:
أولا، أنا أتفق مع صديقتي في كل ما قالت، لكن أختلف معها في دعوتها إلى تبني وجهة نظرها، لماذا؟ لأنها خلُصت إلى ذلك بعد رحلة طويلة من البحث والتحري والمراجعة لذلك فهي مؤمنة بفكرتها متسلحة بعقلية ونفسية متينة جدا تجعل تبني فكرتها وتطبيقها سهلا جدا، أما المواطن العربي العادي الذي لا يزال يصارع نفسه وظروفه غارقا في مشاكل مادية واقتصادية واجتماعية ونفسية لا حصر لها فلا يمتلك إطلاقا أية أرضية فكرية أو دينية متينة تساعده على تقبل هذه الفكرة بالطريقة التي تريدها صديقتي.

   

الشخص الذي يتبنى أفكارا يقال بأنها شاذة وغريبة على المجتمع، سيتسبب في تخلف وتشقق أكثر بين طبقات المجتمع وفئاته وأفراده في الوقت الذي يريد فيه هو الإصلاح والازدهار
الشخص الذي يتبنى أفكارا يقال بأنها شاذة وغريبة على المجتمع، سيتسبب في تخلف وتشقق أكثر بين طبقات المجتمع وفئاته وأفراده في الوقت الذي يريد فيه هو الإصلاح والازدهار

         

إن غالبية الشباب العربي لم يصلوا أساسا إلى المستوى الثقافي والفكري الذي يسمح لهم بمناقشة مواضيع شائكة مثل الحرية والانفتاح، وبالتالي فإن دعوتك إياهم للحرية قد تتحول من رغبة منك في التحضر إلى استغلال منهم لأقوالك في أمور أخرى تجر إلى التخلف، ولكي يتضح الأمر فسأعطي مثالا، إن شخصا يدعو إلى التحرر والانفتاح في بلد غربي هو شيء عاد جدا بل ربما ينذر وجوده لأن الانفتاح هو هواء تعيش فيه الأمم المتقدمة في ظل رخائها الاقتصادي وهدوئها السياسي والاجتماعي، الشيء الذي يسمح للمواطن هناك بتثقيف نفسه وفهم مفردات الحرية والتحرر والانفتاح بالطريقة اللازمة، أما في العالم العربي فإن التحرر أو الانفتاح يعني أول ما يعنيه في أذهان الأغلبية إما استغلال الانفتاح كأعذار لمصالح أخرى أو الغلو في الانفتاح والتحرر حتى يفقد معناه الذي يراد منه وينقلب إلى أشياء أخرى مخالفة تماما لثقافتنا.

        

ثانيا، أنا أقدر تماما فكرة صديقتي وأتفهمها وأعلم علما يقينا أن وراءها رغبة في التقدم الحضاري والتخلص من أوحال الانغلاق والجمود، لكن المشكلة ليست في فكرتها بل في قابلية المجتمع والأفراد والعقلية العربية على تقبل هذه الفكرة بالطريقة المرادة. أعتقد أننا لسنا في الوقت الحالي تربة خصبة لمثل هذه الأفكار التي تعتبر أفكارا شاذة ودخيلة عند الأغلبية وهذا في حد ذاته ذليل على ذلك، لذلك فأرى أن أول خطوة في طريق التقدم الحضاري هو تمهيد وإعداد العقلية العربية لتقبل أفكار من قبيل تقبل الاختلاف والانفتاح والحرية وغيرها ولن يأتي هذا إلا بتوفير مستوى تعليمي جيد وضمان عيش كريم وحل النزاعات الاجتماعية وترسيخ الاستقرار المادي والمعنوي في حياة الفرد العربي، والواقع للأسف يؤكد العكس تماما وبالتالي فلا يمكننا بعد الحديث عن أفكار مثل التي دعت إليها صديقتي.

       

إنني موقن بأن المفكر أو الشخص الذي يتبنى أفكارا يقال بأنها شاذة وغريبة على المجتمع بسبب تخلف هذا الأخير هو شخص سيتسبب في تخلف وتشقق أكثر بين طبقات المجتمع وفئاته وأفراده في الوقت الذي يريد فيه هو الإصلاح والازدهار. ولنأخذ على سبيل المثال سلسلة الدكتور "عدنان إبراهيم" التي تحدث فيها عن معاوية وانتقده فيها بشدة وبين أنه كان مصدر هلاك للأمة في حقبة زمنية من تاريخها، المشكل هنا ليس في ما قاله الدكتور عدنان بل في مدى استعداد الأمة لتقبل الأمر وهو مدى صفري باعتبار أنه لم يقد إلى لمزيد من النزاع والتفرقة والطائفية بين مختلف الفئات والدليل هو تراجع عدنان إبراهيم عن أفكاره وندمه الشديد على التعبير عنه في ذلك الوقت.

      

وخلاصة ما أريد أن أوصله إلى القارئ وإلى صديقتي بالتحديد هو أننا للأسف لسنا بعد في المستوى الذي يسمح لنا يتقبل أفكار من طينة فكرتها ومناقشتها بصدر رحب وحوار واحترام لذلك فإن الدعوة إلى مثل هذه الخطوات تعتبر قنبلة موقوتة تنتظر وقتا للانفجار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.