شعار قسم مدونات

اللغة والإعلام.. وانفصال كردستان

blogs البرزاني

كما توقعت أن الاستفتاء قادم والضغوط والحصار الذي بدأت بغداد بتشكيله أصبح أمرا واقعيا. ولكن كيف استطاع البرزاني إخراج الناس إلى صناديق الاقتراع والنتيجة معروفة سلفا. لا ينقص الرجل ذكاء أو حنكة في قيادة هذا الأمر وخاصا على المستوى المحلي فهو يكلمهم بلغتهم التي يفهمونها وبإعلام موجهه كليا في وضع أولوياته لنفعلها وإن متنا من الجوع. لم يكن الأمر فقط على المستوى المحلي فالإعلام الغربي والعربي قدم خدمة مجانية في إيصاله قضية الدولة الكردية إلى مجلس الأمم المتحدة لتصبح قضية دولية.

 

استغلت الأحزاب الكردية المؤيدة للانفصال عامل اللغة، والقومية الكردية على الفئة الشابة التي لا تتحدث اللغة العربية ولا تفهم معانيها وبذلك ترتبت عليها كثير من الانعكاسات كانت إيجابية للأحزاب الكردية وسلبية للحكومة المركزية. كان مصدر المعلومة الوحيد هو الإعلام الناطق باللغة الكردية والمتحكم به من قبل الأحزاب، فكانت فجوة واسعة بين الإعلام العربي وبين الإعلام الموجه من بغداد إلى الأكراد. لم تشعر بغداد بهذه الفجوة إلا بعد أخذ كل التدابير من قبل أربيل. البعض يفكر بأن الأكراد يتعاملون ببرود أعصاب مع القضية وأن سياسة فرض الأمر الواقع ستنجح، لكن غالبية الأكراد الذين لا يتكلمون العربية لا يعلمون ماذا تصرح بغداد بغض النظر عن تركيا وإيران. الأكراد لا يشعرون إلا أن هناك حصارآ قد تم فرضة من قبل بغداد والأسباب سيتم إذاعتها من قبل الإعلام الكردي الذي سيقول (لا أعلم) لماذا الحكومة المركزية تريد الخراب.

 

على الرغم من قلة الداعمين لانفصال كردستان وإن كانوا غير ظاهرين علنا، فالأكراد المؤيدين ماضين في مشروعهم رغم الضغوط من قبل دول الجوار وبغداد
على الرغم من قلة الداعمين لانفصال كردستان وإن كانوا غير ظاهرين علنا، فالأكراد المؤيدين ماضين في مشروعهم رغم الضغوط من قبل دول الجوار وبغداد
 

عامل اللغة كان كفيلا بأن يعمل المعجزات، فهناك فجوة حقيقية بين العرب والكرد بسبب حاجز اللغة والقليل من من يتكلم اللغتين بطلاقة يستطيع التواصل بين من عاش حياة قاسية على الجبال وبين من عاش حياة أقسى بين النظام السابق والويلات التي جرت لاحقا. لم يكن الأمر يحتاج إلى معجزة لتحريك الشارع الكردي ليذهب إلى صناديق الاستفتاء، فإثارة من عاشت حياة عسيرة بين الجبال الباردة الجافة والبعيدة شيء ما عن العلم لا يحتاج فقط إلى إثارة القومية والعشائرية التي تحكم في شمال العراق كسائره.

 

على الرغم من إظهار أن الكرد يبحثون عن الانفصال بكل قوميتهم، كان هناك من يدعو إلى تحكيم المصلحة العامة والنظر إلى ما بعد الاستفتاء، وهذه الفئة من الأكراد على دراية في دهاليز السياسة ومن أبرزهم الاتحاد الوطني الكردستاني ورجل الأعمال الكردي عبد الواحد (39 عام) الذين يعلمون بأن البرزاني قام بهذا من أجل البقاء في منصبة الحالي وهو رئيس الإقليم حاليا والممدد له لسنتين ورئيس دولة كردستان في المستقبل.

 

كان هنا فرق اللغة والإعلام في صنع رسالة لها وقعها الأكبر وتأثيرها الكبير في نفوس الكرد له أثره في الوصول إلى نقطة اللاعودة، وإن عاد فقد تبدد حلم الأكراد في دولتهم إلى أجل غير مسمى. على الرغم من قلة الداعمين وإن كانوا غير ظاهرين علنا فالأكراد المؤيدين ماضين في مشروعهم رغم الضغوط من قبل دول الجوار وبغداد. أخيرا فقد تنبئ طارق عزيز أحد أبرز قيادات حزب البعث إذ قال: "إذا ما ضعفت الحكومة المركزية في بغداد فإن الكرد سيعلنون دولتهم"، مخاطبا بذلك أردوغان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.