شعار قسم مدونات

العرب لم يعودوا إخوة

blogs - القمة العربية
"بوش بوش يا جبان الشعب العربي لا يهان".. بهذه العبارات كان أقراني يصيحون في الشارع وباحات المدارس في تلك الأيام من عام 2003، حين بدأ العدوان الأمريكي على العراق. لم أكن أفهم حينها معنى تلك العبارات بالمستوى المطلوب لكي أكون قادرا على تحليل ما حولي من ردود أفعال وتعاليق. لم أفهم حينها سوى الغضب والحسرة في أعين من حولي ولم أكن أعلم أن ماحدث سيغير مجرى التاريخ العربي.

لكن رغم محدودية علمي وضعف حيلتي اكتسبت ألما وحسرة وأخذت أتابع ما يحدث رفقة والدي من وراء شاشة التلفاز. لا تزال صور إسقاط تمثال صدام في بغداد محفورة في ذاكرتي. ما زلت أذكر أن ما حاولت استخلاصه في تلك الفترة هي طبيعة العلاقات بين الدول والأمم، خاصة أمتنا العربية، فكل ما ترسخ من كلام من حولي، هي أن العرب إخوة، أن مصيبة قوم منا هي مصيبة كل الأقوام العربية، فالأخوة في الضراء قبل السراء.. لا تزال شعارات الأخوة تدق طبول عقلي، فالعرب حضارات وأجوار، وما الحدود بينهم إلا علامات على الخرائط وما الاختلافات التي يعيشونها إلا سبب في تعزيز العلاقات، فالصلح أولى. كبرت وكلي آمال في أن أعيش حقيقة تلك الشعارات وأراها في معاملاتنا وسياساتنا.

يبدو أن الأخوة ليست كافية ليسلم الأخ شر أخيه، فيوسف عليه السلام ألقي في الجب من قبل إخوته، ولعل التاريخ اليوم يعيد نفسه مع الأخوة العرب لكن بنسخة أكثر شرا ودمارا

كبرت وتجاوزت مرحلة التقبل التام ورحت أناقش وأبدي رأيي، وكبرت معي مبادئ العروبة والأخوة التي أردتها أن تتجاوز مرحلة التنظير. لكنني في كل خطوة أخطوها تصطدم آمالي بآلام الواقع ويبدأ المكتسب والفكر في التصادم مع الموجود لكي تنحت بذلك شخصية الإنسان حسب الظروف المحيطة به وطبيعة البيئة الموجود فيها. فالعرب ليسوا بالأخوة التي استخلصناها من قصص التاريخ، فأمريكا والكيان الصهيوني اليوم أقرب لبعض العرب من بعض العرب، وكل مجهود بعض العرب يستنفذ في خراب ودمار بعض العرب، شباب العرب يجاهد العرب في سوريا أرض العرب، وتل أبيب في سلام.

العرب لم يعودوا إخوة، فقطر محاصرة من قبل بعض العرب، وعلى قطر يتآمر بعض العرب مع العرب ومع غير العرب. كل الحروب تدور رحاها على أرض العرب، فالمحارب عربي، والقتيل عربي، أما اليتيم فعربي أيضا، الجريح عربي، القاتل عربي كذلك. العرب إخوة، والعالم العربي يدمر بخطط الصهاينة وتنفيذ العرب، العرب إخوة لكن المتناحرين عرب وإخوة.

يبدو أن الأخوة ليست كافية ليسلم الأخ شر أخيه، فيوسف عليه السلام ألقي في الجب من قبل إخوته، ولعل التاريخ اليوم يعيد نفسه مع الأخوة العرب لكن بنسخة أكثر شرا ودمارا، إذ لم يعد أحد من الأخوة العرب من البئر الجوفاء… لم تعد فلسطين ولا العراق ولا سوريا ولا مصر ولا اليمن ولا ليبيا من الجب، ولم نعد ندري أستسلم قطر وتونس والجزائر من بعض الأخوة العرب وهل ستسلم العرب من شر نفسها. فالعدو الذي يتحالف معه بعض الأخوة العرب لن يتردد في الإجهاز عليهم حين تنتهي مهمتهم ولا يعود لبقائهم منفعة.

يبدو أنه ما باليد حيلة أمام انهيار الأخوة ونشأة العداوة بين الإخوة برعاية أمريكية صهيونية، سوى الأمل أن الشعوب ستبقى متآخية بما للكلمة من معنى، حتى وإن فرقتنا السياسات التى هدمت صرح الأخوة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.