شعار قسم مدونات

لماذا تخافون الدفاع عن محمود حسين؟

blogs - aljazeera
دخل الزميل محمود حسين أسبوع حبسه الثالث، ولا أمل في أنه سيعود لبيته قريبًا، على ما يبدو؛ فقد جددت النيابة العامة حبسه لأسبوعين آخرين ينتهيان في الرابع عشر من الشهر الجاري، والواضح أنه سيتلقى تجديدًا آخر قد يمتد لخمسة وأربعين يومًا، فلله الأمر من قبل من وبعد.

وإن كان محمود يدفع فاتورة خلاف سياسي بين دولتين، فإن ثمة تخل كبير من زملاء و(أصدقاء) له، قد تجلى في محنته هذه، بدافع الخوف طبعًا. لكن لمَ الخوف؟ وإلى متى؟

عندما أطوف على صفحات الزملاء، عمدًا، لا أجد كلمة واحدة تندد أو تستنكر ما يجري بحق الرجل الذي طالما اجتمع حوله الأصدقاء كالقطط الصغيرة حول أمهم! لا يوجد حديث على استحياء حتى.

لا أعرف لماذا قرر النظام تحديدًا الانتقام من الجزيرة في شخص محمود حسين، ولا أعرف لماذا محمود تحديدًا، لكن ما أعرفه يقينًا أن محمود لم يتلق الدعم الذي يستحقه.

ضف إلى ما سبق أن صحفيين يفترض أنهم كبار لم يكتبوا كلمة واحدة للتنديد بحبس زميل لهم ووضعه رهن ظروف احتجاز قاسية، وغير آدمية، تعكس كره النظام المصري لكل من لا يداهنه.

نقابة الصحفيين أيضًا لم تصدر بيانًا بشأن اعتقال محمود وتلفيق التُهم له، ربما لأنه ليس عضوًا بها، لكن هل المبادئ وحقوق الإنسان ورفض الانتهاك محكومة بـ"كارنيه" عضوية؟

لم نر محمود منذ اعتقاله إلا للحظات عابرة وسط جو من القلق والترقب والحسابات المتداخلة. رأيناه الأربعاء الماضي وهو محاط برجال الأمن، مقيدًا، حليق الرأس، يرتدي زيًّا أبيض.

أشار لنا بيده، وهو يحاول إبداء تماسك مشوب بالقلق، وعندما سألناه عن أحواله –من خلف سياج- أجابنا: كيف أمي؟

أعرف أن محمود سيخرج عاجلًا أم آجلًا، إن شاء الله، لأنه بريء من كل التهم المُعلبة الموجهة إليه، لكن متى؟ الله يعلم.

معلوماتي أن مقام محمود سيطول بالداخل، لن يخرج بعد شهر أو اثنين أو ثلاثة. وحتى ذلك الحين، ألا يستحق هذا الرجل من زملائه تعاطفًا ولو بالكلام؟ الكلام فقط، أم أن الجميع اختار أضعفَ الإيمان في هذا الموقف؟

أعرف أن الجميع حزين عليه، لكن، وللأسف، الغالبية تتحرك من منطق: قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
محمود حسين، يقبع الآن في غرفة تفتقر لأبسط مقومات الحياة في سجن طرة، ممنوع من كل شيء، حتى من التواصل حتى مع محاميه، لا يعرف شيئًا مما يجري بالخارج، لا لشيء إلا لأن نظامًا كاملًا قرر أن يُخرج لسانه لدولة أخرى على حساب شخص واحد.

عندما رأته ابنته هتفت بأعلى صوتها "هافضل رافعة راسي بيك يا بابا". قالتها، ثم هبط أبيها إلى نفق يقود إلى مكتب التحقيقات.

لا أعرف لماذا قرر النظام تحديدًا الانتقام من الجزيرة في شخص محمود حسين، ولا أعرف لماذا محمود تحديدًا، لكن ما أعرفه يقينًا أن محمود لم يتلق الدعم الذي يستحقه.

صحيح أن مؤسسة الجزيرة لم تدخر جهدًا في الدفاع عنه وتبني قضيته التي هي قضيتها، وهذا ليس مسنغربًا؛ فالجزيرة لا تتخلى عن موظفيها. لكن أين الزملاء؟ لا أعرف.

لقد تأكدت أن محمود يخضع لعقاب نفسي شديد، ومعاملة سيئة، سيئة جدًا. هذه المعاملة تحتاج ضغطًا لكي تتراجع، لكن ما هي وسيلة الضغط؟ لا أعرف.

شخصيًا سأظل أروح وأجيء إليه، لكن هذا ليس حلا برأيي، فمحمود بحاجة لتحرك على الأرض، تحرك يحرج النظام، يدفعه لتخفيف الأذى إن لم يدفعه لإطلاق سراحه.

مجددًا، لا أعرف كما هو التحرك الأمثل، لكن لا بد وأن يكون هناك تحرك؛ لجنة للدفاع عنه، عقد فعاليات، وقفات، تنظيم مؤتمرات … أي شيء للتعريف بقضيته والمطالبة بتخفيف الضغط عليه، هذا أضعف الإيمان في رأيي.

سأظل أكتب عن محمود وأسعى لرؤيته ولقائه والدفاع عنه ولو ظل هكذا ألف عام، لكن شخص واحد لن يغير شيئًا؛ يد الله مع الجماعة، يا جماعة.

كثيرون تعاملوا مع قضية محمود من منطلق "اسمي مكتوب؟"، وما إن شعروا أن أسماءهم ليست مكتوبة، ركنوا للسكوت، وإبداء التعاطف عبر رسائل خاصة لا تقدم ولا تؤخر.

والآن، تقف ابنة محمود (الشابة) في مواجهة دولة بعساكرها وأسوارها وقوانينها الظالمة، وليس في ظهرها أحد. هل هذا هو موقفكم من محمود حسين؟ هل هذه هي الزمالة؟ هل هذا هو جزاء الإحسان.

لمن لا يعرف، محمود ليس بحاجة لأحد ولا بحاجة لشيء من أحد، لكن من حوله بحاجة لأن يثبتوا أنهم على قدر الموقف وأن الصداقة لا تستحيل ذكرى باهتة في مواجهة رياح الخوف. أعرف ما تفكرون به، لكنه خاطئ ولا شك؛ فغدًا سيخرج محمود إن شاء الله، وعندئذ ماذا ستقولون له؟ لا أعرف.

أن تكتب #الحرية_لمحمود_حسين. أو أن تضع صورة لمحمود على فيس بوك، ليس تضامنًا ولا وفاءً، ولا ردًا للجميل وإبراءً للذمة. تحركوا قبل أن تلحقوا به جميعًا، فالدور آت لا محالة.

سأظل أكتب عن محمود وأسعى لرؤيته ولقائه والدفاع عنه ولو ظل هكذا ألف عام، لكن شخص واحد لن يغير شيئًا؛ يد الله مع الجماعة، يا جماعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.