شعار قسم مدونات

نظرة تأملية في السنن الكونية والإلهية

blogs - سماء وبحر
تدور عجلة التاريخ لتروي قصص السابقين الأولين شاهدةً على الحاضرين المعاصرين؛ تتبدل الوجوه وتتغير المواقف والظروف فيما يظل نهر التاريخ ثابتاً على مر العصور. فينبع نهر التاريخ من رافدين رئيسيين ألا وهما السنن الكونية والسنن الإلهية..
نتساءل أحياناً لماذا يتغلب هؤلاء الأشرار على أولئك الأخيار؟! لماذا لا تكون الشوكة للحق وأتباعه في الوقت الذي يعربد فيه الباطل بأنذاله؟! لماذا لا تُنصر دعوة المقهورين؟! لماذا لا تُكف أيادِ الباطشين؟! كيف نعبر؟! ما النجاة؟! أين الخلاص؟! ومتى؟! هذه الأسئلة وما يشابهها تؤرق أيامنا وتحير ألبابنا وتعصف بأذهاننا!

تجاهل التاريخ بدروسه يؤدي حتماً إلى التغييب، والجهل بالسنن الكونية والإلهية هو قمة الضياع والخسران المبين؛ فهناك سنن قائمة في الأرض لها وظائف معينة لا يمكن تغييرها إلا بأمر من الله سبحانه وتعالى (المعجزة)؛ تسمى هذه السنن بالسنن الكونية.. فمثلاً التعرض المباشر للنار يسبب الحرق وهذه حقيقة وسنة كونية ثابتة؛ قد تتعطل هذه الظاهرة الكونية ولكن بأمر من الله عز وجل وحينها تتحول لما يسمى المعجزة كما حدث في قصة سيدنا إبراهيم عندما أُلقي في النار فكانت بإذن الله برداً وسلاما.

في عالمنا هناك أناسٌ يلقون بأنفسهم في النيران متخيلين أنها ستكون برداً وسلاماً عليهم كونهم من الأخيار! وهناك أناسٌ آخرون يتعرضون لهذه النيران وهم يعلمون عاقبتها وهي الحرق، لكن ينتظرون دون علاج أو أخذٍ بالأسباب أن تحدث المعجزة!

المضحك المبكي في بلاد العرب أن أولئك القلة الذين يدركون حركة عجلة التاريخ ويعون السنن الكونية والإلهية يُرمَون بالجرائم والتمادي دون بينة وبكل بشاعة! فكيف ينتصرون وهم قلة؟!

دعونا نتأمل ما حدث لسيدنا إبراهيم ونتساءل؛ هل ذهب نبي الله للنيران وألقى بنفسه فيها ويعلم أنه سينجو منها لأنه مرسلٌ من الأخيار؟! هل كان عليه السلام على علم بنجاته من النيران فلم يبالِ فهو على علمٍ مسبق بحدوث المعجزة؟! سيدنا إبراهيم دعا قومه وصبر عليهم وعندما تأكد من إصرارهم على الشرك أقدم على تحطيم الأصنام. صحيح أن سيدنا إبراهيم كان يحمل قضية عادلة وهي الدعوة ، إلا أنه لم يكتفِ بذلك بل عمل وجاهد من أجلها بشتى الطرق، لذلك استحق المعجزة بأمر من الله لتتعطل سنة من السنن الكونية! بعض الأخيار يظن أن النصر حليفه كونه يحمل قضية عادلة وينتظر المعجزة بالرغم من أنه لا يعمل من أجلها كما يجب أو يناضل ليكسب فينأى بنفسه بعيداً عن سنن الكون! فأنى له النصر وأنى له الحياة الكريمة! وكأنه ينتظر يوم حصاد لم يرمِ من أجله مثقال ذرةٍ من بذرة!

هناك نوعٌ آخر من السنن يتعلق بسلامة القلب ويتصل مباشرة بالخالق عز وجل يسمى بالسنن الإلهية، مثلاً عندما ينسى الفرد إقامة فريضة من الفرائض فإن شاء الله تغمده برحمته فهو الكريم الجواد الرحيم لكونه سليم القلب وثيق الصلة بالله عز وجل. فتتميز تلك السنن الإلهية عن الأخرى بطهارة القلب وطيب النفس ورحمة الله عز وجل فيما تتعلق السنن الكونية بالمنطق دون رحمة أو شفقة؛ فعندما تغفل وتتعرض للنار مباشرة فإنها تحرقك دون رحمة…

هناك أناسٌ ينتظرون النصر وتأخذهم الأماني فقط لكونهم مظلومين! فكم من أناس ماتوا وهم مظلومون دون أن ينالوا حقوقهم؟! وكم من جوعى ماتوا متيبسين دون أن يدركوا كسرة خبزٍ أو شربة ماء؟! على الرغم من قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم والأخد بالأسباب… هؤلاء واهمون بلاشك فربما لجهلهم أو رغبةً منهم أن يستروا سوء صنيعهم أساؤا فهم سنن الله الإلهية، فجوهر هذه السنن وأساسها هي الآية الكريمة "إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم"؛ فأنا لهم النصر وهم خشبٌ مسندة لا يأخدون بأسباب التغيير. نسوا أو تناسوا أن المؤمن القوى خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف! وهؤلاء يصدق فيهم قوله تعالى "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا".

المضحك المبكي في بلاد العرب أن أولئك القلة الذين يدركون حركة عجلة التاريخ ويعون السنن الكونية والإلهية يُرمَون بالجرائم والتمادي دون بينة وبكل بشاعة! فكيف ينتصرون وهم قلة؟! وكيف يظهرون علينا بهذه السرعة؟! ويتهمون بالتخلف والرجعية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.