شعار قسم مدونات

انعكاسات الدراما العربية على الشارع العربي

blogs - الدراما العربية
لست هُنا -وفي هذا المقام- بصدد مُناقشة ماهية الدراما العربية وجسديتها، بقدر مُناقشة انعكاساتها وتأثيراتها على الشارع العربي، فأنا لست بناقدٍ درامي أو مُعقبٍ على سيناريوهات الأعمال الدرامية، ولا أملك أدوات النقد المسرحي، بل بصفتي مُشاهد عربي للعديد من الأعمال الدرامية العربية من مُسلسلات وأفلام، ألتمسُ منها الهدف والغرض من العرض والتمثيل، خاصةً تلك الأعمال الدرامية التي لاقت مساحةً جيدةً من المُشاهدة والمُناقشة لدى الشارع العربي، بل وتفاعل معها المُشاهد العربي بشكلٍ كبير، واستخدم حِوارات ومُصطلحات شخوصها في حياته اليومية، كونها لامست العديد من قضاياه السياسية والثقافية والاجتماعية التي خصته بصورةٍ واقعية، وسلطت الضوء على الكثير من الجوانب المُعتمة التي تناولت هُمومه بصفتها العامة.

تناولت الدراما العربية، وعلى مدار السنوات، جملةً من الأعمال الفنية التي جسدت الواقع السياسي والاجتماعي والفكري لعدة حِقبٍ سلطويةٍ وسياسيةٍ عربية مُنتهية وقائمة بآلياتٍ وحواراتٍ ومشاهد درامية مُباشرةً وغير مُباشرة. وقد حاك البعض منها الواقع العربي بصورةٍ تفصيليةٍ كبيرةٍ وصلت حد التنبؤ بحتمية غليان المواطن العربي وتمرده على واقعه السياسي والاقتصادي، في قالبٍ وضع المُشاهد العربي في حيرةٍ شديدةٍ عن كيفية سماح الجهات الرقابية بنشر مثل هذه الأعمال التي تُنذر بالقادم الأسود على البلاد العربية، دون أن يُحرك صُناع القرار فيها أي ساكنٍ أو إصلاحٍ لتلافي وقوعها في طوفانٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ واقتصادي.
 

تكمن مُهمة المُشاهد العربي، بإدراكه أن من يقف خلف كاميرا التمثيل والإخراج ليس بالضرورة أن يكون مؤمناً بحقيقة ما ينتجه له على التلفاز، أو أن يكون هدفه فعلاً تجسيد واقعه المعيشي.

ولم يعكس السماح بنشر مثل هذه الأعمال الفنية العربية مساحة الحُرية الحقيقية الموجودة في الشارع العربي، بل لمساحة السماح بالنشر قصة مرتبطة بشركات الإنتاج السينمائي الخاصة والربحية، وضخ الأموال وشراء واحتكار الأعمال الفنية. فالأعمال الدرامية نفسها تحدثت عن مقدار الضنك الذي يعيشه المواطن العربي في بلاده، وتقزيم حريته ومساحة رؤيته، بصورةٍ مُتناقضةٍ بين السماح بحُرية نشرها، ومُحتواها الاجتماعي والسياسي المُتناول للواقع السيء للمُجتمعات العربية، والذي يُعانيه ويتجرعه المواطن العربي؛ ما أوحى للمُشاهد العربي بأن نشر مثل هذه الأعمال الفنية ذات الصبغة السياسية والاجتماعية ربما يكون هدفه التربح بصفةً أساسية، وأن حرية النشر هذه لا تعكس بالضرورة واقع الحُريات في بلدان إنتاج هذه الأعمال الدرامية، أو النوايا الإصلاحية لصانعي وراسمي سياساتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

خذلت الكثير من هذه الأعمال الدرامية العربية المواطن العربي في أصعب المواقف واللحظات الحاسمة التي تأثر بها المُشاهد العربي، كتلك الصفعات التي تلقاها المواطن العربي من أبطال ورواد عددٍ من الأعمال الفنية والدرامية العربية الذين تحدثوا عن ضرورة صناعة التغيير في البلاد العربية، ومُحاربة الفساد والاستبداد بكافة أشكاله، ليجدهم المُشاهد العربي في الكفة الأخرى دفاعاً عن الظلم وترسيخ العبودية، خلافاً لما أظهروه في أعمالهم الدرامية.

ورغم أن هذه الأعمال الدرامية ساهمت، بصورةٍ أو بأخرى، في تعزيز وعي المُشاهد العربي بقضاياه اليومية والمعيشية إلا أنها لم تُكمل مسيرتها التوعوية الصحيحة، وذلك انطلاقاً من المقولة التي تصف الفنان وعمله الدرامي بضمير أمته، وانعكاس ثقافته ونتاجه الفني على جمهوره المُتلقي من المُشاهدين والمُتابعين؛ لنجد أن العديد من هذه الأعمال بقي منقوص الهدف والانعكاس والتأثير؛ لأن العمل نفسه بمُجسديه ومُمثليه وصُناعه لم يؤمنوا حقاً بوجع مُشاهدهم العربي، وعدالة قضاياه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

هنُا تكمن مُهمة المُشاهد العربي، بإدراكه أن من يقف خلف كاميرا التمثيل والإخراج ليس بالضرورة أن يكون مؤمناً بحقيقة ما ينتجه له على التلفاز، أو أن يكون هدفه فعلاً تجسيد واقعه المعيشي، وأن دروس الوعي بالواقع الحقيقي الذي نعتاشه تحتاج أكثر من محاكاتها باحترافيةٍ عالية، فهي بحاجةٍ إلى الإيمان المُطلق من قبل أبطالها وصُناعها بأوجاع ونكسات المُشاهد العربي، والذي يبحث عن فضاءٍ ومساحةٍ يُفرغ بها أوجاعه، حتى وإن أضحكته وأبكته.

وهو شأنٌ مرتبطٌ بالأعمال الفنية والدرامية الهادفة، والتي تتناول هموم وأوجاع المواطن العربي، والتي ربما يعيشها طاقم العمل الدرامي نفسه. فالمُزاوجة بين الإيمان بوجع المُشاهد العربي ومُحاكاته وتمثيله؛ لا يُنقص من القيمة الفنية للعمل الدرامي بما يُجمله من شخوصٍ وأدوار، يل يمنحه فعلاً ضمير أمته وشعبه. فلطالما تأثرنا نحن المُشاهدين بالعديد من الشخصيات التلفزية والدرامية التي حركت بداخلنا حُب التغيير وصناعة المُستقبل، لكن وبعيداً عن الواقع الدرامي والتلفزي؛ وجدهم المشاهد العربي بصورةٍ نقيضةٍ لما أظهروه في أعمالهم الفنية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.