شعار قسم مدونات

لا تجننوه كما جننتم من قبله

nazi-salute
أطلق هذه النصيحة أحد عقلاء كبار السن في البرلمان الموريتاني، وذلك عندما رأى بعض النفعيين الذين يطلقون عليهم وصف (المصفقين ) حيث يكيلون المديح للرئيس، ويبالغون في عبارات التزلف، قبل أن يتمكن الرجل من فعل أي شيء يستحق به هذا التخليد بالعبارات الجامعة لخصال البناء والتعمير، وخصوصا أن من تغلب عليه هذا الرئيس تغلب عليه وهو يسمع ما يكال له في الإعلام من المديح من العقلاء وغيرهم، وحسب المنهج "البرجماتي" النفعي أي حسب المنفعة الخاصة الفردية.
 

وضرر هذا النهج من التمجيد، أنه يوطد للنفاق كمسلك سياسي تكون الموالاة والمعاداة عليه، وينزل بديلا من الحقوق الوطنية، والعدل والمساواة فيما تجب فيه المساواة، فيأمن من يصفق على ماله ونفسه وسمعته، ويزداد ثروة على ثرواته، ويسكت عن الساكت، ويهمش الخبير والعالم والأستاذ والمفكر، لأنهم لا يحسنون ذلك المستوى من النفاق القولي الذي لا يعرف وزن العبارة ولا تنزيلها على أرض الواقع الذي قد تناقضه، ويتعدى ضرر هذا النوع من المديح التزلفي إلى الآخرين، حيث يرى الناس ما يدره عل من يمارسه من وجاهة وحظوة، فيستهلون الوقوع فيه حتى يغلب على طباع المجتمع، فلا يرضى بعد ذلك مسؤول ولا شخص يرى لنفسه منزلة عند الناس أي توجيه أو نقد أو تصويب.
 

أمرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن نحثو التراب في وجوههم، حتي لا ينتشر هذا المرض الاجتماعي والنفاق العملي والقولي في طبائع الناس، فيتعود الرجل الكذب في الأقوال مرحلة مرحلة.

وهذا يحدث خللا في طبائع النفوس المجبولة على الخطأ بالبشرية الجبلية، فيصبح الناس يجملون القبيح، ويحسنون السيئ، ويرفعون الوضيع، ويثمنون جهود المقصر رغم تقصيره، وكفى بذلك مضيعة لأسباب التناصح والتعاون والنقد البناء، وتلك أسس الدين الحنيف: ( الدين النصيحة) فمن مجدته رغم إهماله، وكرمته مع تضييعه، فما الباعث له على السهر والجد والاجتهاد، مع توفر أسباب الدعة والراحة له؟
 

وهذا منهج ينبغي للمسلمين جميعا معالجته، والأخذ بأسباب العمل المثمر الذي يبني الدول ويحمي الأوطان، ويعمر الأمة ويكسبها الهيبة في وجه المداحين والمزايدين الذين أمرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن نحثو التراب في وجوههم، حتي لا ينتشر هذا المرض الاجتماعي والنفاق العملي والقولي في طبائع الناس، فيتعود الرجل الكذب في الأقوال مرحلة مرحلة، ثم يكون الكذب صبغة له في الأفعال، فتصبح حياة الناس كذب في كذب وتضليل في تضليل.
 

فندائي هنا للعرب خاصة وللمسلمين عامة أن يصححوا مسارهم في تمجيد من يستحق التمجيد على أفعال ظاهرة وجهود بارزة، حتى لا يعول الرئيس والمرؤوس معا على الكلام المضلل، فيقربوا الكذابين والمنافقين ويستحوذون عليهم، فلا يكون عندهم تصور صحيح لما يجري، وتكون العاقبة سيئة على الجميع، نعوذ بالله من الخذلان وطمس البصيرة.
 

ويتأكد التعاون على معالجة هذا التمادح في الإعلام الرسمي وغيره، أن معظم ذلك يقع بحضور المعينين به، وهم بشر يخشى عليهم من العجب والكبر، ووقوع الشعور بالبطر وتصديق الكذب والإقرار عليه، وقد جاء في السنة الصحيحة لمن مدح رجلا في وجهه قوله صلى الله عليه وسلم للمادح المطري: ( أهلكتم، أو قطعتم ظهر الرجل)، وفي لفظ: ( ويحك قطعت عنق صاحبك). وما ذلك التأديب النبوي إلا صيانة للأمة من الانزلاق في أودية النفاق والتملق من أجل طمع دنيوي، مفسد للدين والمروءة، فلا تجننوهم كما جننتم من قبلهم، فالعالم كله يقدر زعماءه، ويحترم العظماء الذين فرضوا ذلك بالعمل، لا بالمديح الكاذب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.