شعار قسم مدونات

يسمعون حسيسها.. جهنم على الأرض

blogs- يسمعون حسيسها
لطالما سمعتُ عن هذا الكتاب، وعن هذه الرواية، ولفتت انتباهي وشدتني إلى قراءتها، حتى قررت ذلك وأبحرتُ فيها! كتاب لا أستطيع أن أصفه؛ فيه من الألم والقسوة والموت والدماء والبشاعة والفظاعة الشيء الكثير، بل عن هذا تتحدث الرواية.
 

هذه الرواية الذي تحدثت عن الدكتور السوري إياد أسعد، ذلك الطفل الهادئ والشاب الطموح والدكتور الفذ الذي يعيش في تلك القرية الصغيرة مع أهله منذ زمانٍ بعيد؛ كيف كانت حياته؟ وكيف نشأ وترعرع؟ وكيف تعلم وتربى؟ وكيف كانت الحياة قاسية في بدايتها؟ لكن هذا لا يُمثل شيئا مطلقاً أمام ما رآهُ من ظلٍم وجوٍر وقهرٍ ومعاناة ٍوألمٍ..

اربطوا أحزمة قلوبكم قبل أن تبحُروا في رواية" يسمعون حسيسها"، سوف تمرون على آلام كثيرة وأحداث مروّعة، ولكن سوف تعلمكم الصبر ولو قليلا، وكيف يكون للإنسان أملٌ.

حيث اعُتقل ظلما ًوبهتاناً في السجون السورية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ابتداء من فرع الخطيب "الأمن الداخلي السوري" إلى بُقعة كانت هي الجحيم على الأرض، ألا وهي سجن "تَدْمُر" الذي يدمر كل من دخله، ذلك المكان المرعب، المملوء بكل ما يمكن أن تتخيله أو لا تتخيله من وحشية في التعذيب وفنٍ في الإهانة واستمتاع بمذلة الإنسان، هو مكان لا يوجد في قانونه شيٍء اسمهُ إنسان، بل حيوانات أو هو قانون الغاب، ولو كانت الغابات أفضل والحيوانات أرحم ببعضها البعض من مما يُعانيه سُجناء "تدْمُر" تلك القلعة الخبيثة والحصن المُرعب والمكان المُوحِش، الذي فيه آلاف من السجناء الذي ينالون في كل ثانية أنواعاً قاسيةً من العذاب المروع، دون أي رأفة أو رحمة أو إنسانية إطلاقا.
 

الرواية جميلة، وقد أعجبتني رغم ما تحمله من آلام وأوجاع قاتلة، وأشياء غريبة لا يُصدقها العقل، ولم تر مثلها العين، أبدع الكاتب في سرد القصة والحكاية منذ بدايتها بكل دقة ووضوح وسلاسة في العبارات والكلمات، ويزيده إبداعاً الدكتور إياد بحفظه للأحداث والمواقف والأسماء والشخصيات بكل دقة ووضوح، الذي يجعل القارئ يعيش مع الرواية لحظة بلحظة، دون أن يمل بل يزيده شوقا وتمسكا بها.
 

لكن!
منذ أن بدأت أقرأ الكتاب، في أول فصوله الستين كان يخطر في ذهني سؤال راودني، إذا كان هذا مظلوما، وفُعل به كل ذلك، فماذا فُعل بمن قال وردد يومًا "بدنا حرية.. حرية.. حرية !!"، كنت أرى الجواب في تلك الصور والمقاطع الذي رأيناها في بداية الثورة السورية، من تعذيب لم نكن نصدقهُ، وكنا نستغربه، لكن هذا كان تعذيبا على المكشوف أو على الهواء، وبكل جرأة هذه المرة، وأتذكرُ ذلك العسكري حين يضرب ذاك الرجل ويقول له: "بدك حرية .. وينزل عليه بالضرب" تذكرت حمزة الخطيب ذلك الطفل الذي كانت قضيته وقصته مؤلمة، وسوف يظل اسمه محفورًا في التاريخ على ما رآه من عذاب علني وما خفي كان أعظم وأروع.
 

أنصحكم بقراءتها، لكن اربطوا أحزمة قلوبكم قبل أن تبحُروا فيها، سوف تمرون على آلام كثيرة وأحداث مروّعة، ولكن سوف تعلمكم الصبر ولو قليلا، وكيف يكون للإنسان أملٌ رغم الظروف الصعبة والقاتلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.