شعار قسم مدونات

الأستانا.. من محربة النظام إلى محاربة التنظيم

Syrian opposition Deputy Head George Sabra (2-L), next to members of High Negotiations Committee, HCN, Bassma Kodmani (L), Alaboud Mohammad (3-L), Mohammed Alloush (2-R), Chief negotiator for the main Syrian opposition body and rebel group Army of Islam, and Asaad Al-Zoubi (R), head of the Syrian opposition delegation, speaks to the media after a new round of negotiations between the Syrian opposition and the UN Special Envoy of the Secretary-General for Syria Staffan de Mistura (no pictured), at the European headquarters of the United Nations in Geneva, Switzerland, 15 March 2016. The civil war in Syria has claimed the lives of more than 273,000 people in five years, reported the Syrian Observatory for Human Rights.

تتجه أنظار العالم صوب العاصمة الكازاخية "الأستانا" يوم الثالث والعشرين من كانون الثاني/ يناير في فصل جديد من فصول الثورة السورية سياسياً بعد فشل جميع مباحثات جنيف في التوصل لحل للأزمة السورية ووقف نزيف الدم المتواصل. المؤتمر يعكس ما آل إليه الوضع السوري مؤخراً؛ فهو بمثابة قمة روسية تركية بعد التقارب الشديد بين الجانبين في الآونة الأخيرة.
 

المؤتمر له دلالات واضحة، فبحسب عضو مجلس الشعب السوري محمد خير عكام فإن الدعوة لم تُوجَه للنظام السوري وفى المقابل لم توجه الدعوة لأول مرة للمجلس الوطني السوري المعارض وفى غياب تام للأمم المتحدة ودعوة روسية على استحياء لأميركا وغياب عربي مثير للجدل وتواجد إيراني، فالمضحك المبكي أن المؤتمر حول سوريا بينما تمثل روسيا النظام وتمثل تركيا المعارضة!
 

هل يعقل أن إيران التي تقاتل بقادة الحرس الثوري والباسيج وميليشيات عراقية لبنانية أفغانية أن تتخلى عن الأسد بعد كل هذا الدعم أو أن تقف على الحياد؟!

بعد اجتماعات لما توصف بالمعارضة "المعتدلة" وما بين موافقة ورفض للفصائل المسلحة أعلنت فصائل فيلق الشام وجيش السلطان مراد وجيش الإسلام والجبهة الشامية وتجمع فاستقم وجيش النصر وجيش العزة والفرقة الأولى الساحلية مشاركتها في المؤتمر واختارت محمد علوش رئيس لوفدها، فيما أعلنت حركة أحرار الشام رفضها المشاركة في المؤتمر ولكنها أيدت المشاركين في سيناريو متكرر لموقف الحركة من المشاركة في المؤتمرات!
 

جُل فصائل المعارضة المشاركة تشترك في أنها تتلقى دعم واضح وصريح من تركيا وتقاتل معها تنظيم الدولة الإسلامية جنباً إلى جنب مع الجيش التركي في قوات درع الفرات ومن هنا اكتسبت صفة الاعتدال! الأهداف المعلنة لمؤتمر الأستانا تتلخص في تثبيت وقف إطلاق النار والاتفاق على مشاركة قادة المعارضة المسلحة في مسار جينيف السياسي؛ وعندما نتناول تلك الأهداف المعلنة فلنا أن نسأل متى التزم النظام السوري ومعه روسيا بهدنة وقف إطلاق النار سواء في حلب أو ريف دمشق أو وادي بردى؟!
 

وفيما يتمثل الضمان للوفاء باتفاقات وقف إطلاق النيران؟! فصائل المعارضة "المعتدلة" والجيش الحر في موقف لا تُحسد عليه، فهي تفقد المنطقة تلو الأخرى أمام النظام بميليشياته الإيرانية اللبنانية العراقية الطائفية، وبالتالي اضطرت إلى القبول بمباحثات الأستانا مرغمةً لتوقف سلسلة هزائمها المتتالية.. فكيف لها وهي في موقف الضعف أن تملك أوراق ضغط تلاعب بها روسيا ممثلة في النظام؟! وهذا ما يفسر قول البعض أن المؤتمر مقدمة لارتماء المعارضة "المؤتركة" في أحضان النظام والعودة إليه من خلال جينيف بعد أن تلقِ سلاحها في الأستانا؛ فكيف للفصائل المسلحة أن تنجح سياسياً دون أن تكون لها مخالب عسكرية في الحرب على أرض الواقع؟!
 

في مداخلة هاتفية معه صرح محمد علوش رئيس وفد المعارضة بأن المعارضة تلعب على وتر الخلاف بين روسيا وإيران في سوريا والذي وصل إلى تبادل إطلاق النار في بعض المناطق وأن المعارضة تريد تحييد إيران في الصراع! وهنا لابد لنا من وقفة فهذا لا يرقى كونه تحليل بالتمني وإعمال للرومانسية في السياسة، فهل يعقل أن إيران التي تقاتل بقادة الحرس الثوري والباسيج وميليشيات عراقية لبنانية أفغانية أن تتخلى عن الأسد بعد كل هذا الدعم أو أن تقف على الحياد؟! فالخلاف بين روسيا وإيران هو للسيطرة وبسط النفوذ وخلاف بين أبناء الأسرة الواحدة ما يلبث أن تعبره؛ فلن تستفيد الثورة من كون إيران تسيطر على نصف المساحة التي تنتزعها أو ربعها في حين تسيطر روسيا على الباقي!
 

وليد المعلم وزير خارجية النظام لخص ما يدور في كلمة وهى "حلب أدت إلى الأستانة" والسؤال "الأستانا ستؤدى إلى ماذا؟!" هناك تتحدث عن "جيش وطني" بدعم تركى تكون نواته فصائل ثورية "معتدلة" يُفتَح فيه الباب للجميع، وربما النظام ووجهته تكون دير الزور والرقة بعد أن تنسحب تلك الفصائل من إدلب لتترك فتح الشام لضربات طائرات التحالف ومعها روسيا، بالإضافة إلى إحكام الحصار عليها، وبالتالي تكون الإجابة "بعد الأستانا الطريق ممهد لإدلب وبعدها الرقة ودير الزور وبعدها يتم الإجهاز على ما تبقى من الثورة السورية بواسطة الثوار الليرة واليورو".
 

رحلة الأستانا محفوفة بالمخاطر ولن تزيد سوريا إلا وبالاً، فالثورة السورية تعرضت لمؤامرات كونية ولم يكن لأسوأ المتشائمين أن يتوقع ما آلت إليه من انتكاسات.

أهداف روسيا من خلال الأستانا على نقيض تصريحات علوش تحييد ما يسمى المعارضة المعتدلة بعد فرز الفصائل إلى معتدلة وأخرى إرهابية متمثلة في تيارات السلفية الجهادية وعلى رأسها فتح الشام وتنظيم الدولة الإسلامية ومن يدور في فلكيهما، ومن ثم تكوين تحالف يغير بوصلة هذه الفصائل المعتدلة ليجعل سلاحها في صدور تلك الفصائل الإرهابية. تعي روسيا جيداً أن هرولة تلك الفصائل التي تأتمر بأوامر تركيا هو بمثابة حمل أكفان لها بعد سلسلة الخسائر التي منيت بها.
 

و من هنا تكون أهداف مؤتمر الأستانا الغير معلنة هي تحييد لفصائل المعارضة المسلحة ومن ثم تمهيدها لتكون رأس حرب في التحول من قتال النظام "السوري" إلى مقاتلة التنظيم "الدولة الإسلامية" وتبقى الخاسر الأكبر هي سوريا ومعها دول الخليج العربي التي جرى تهميشها لتكسب إيران أرضاً جديدة وتتقدم خطوات ناجحة بثبات نحو تحقيق مشروعها الطائفي بامتياز، والذى تم التخطيط له منذ عقود ويبرز الآن لأسباب، لعل أبرزها غياب مشروع عربي ديني جامع وتخلي أميركا عن حلفائها العرب وتركها المنطقة لتملأ روسيا فراغها؛ فأميركا أرادت بذلك جعل المنطقة بؤرة لاستنزاف روسيا وتبقى المنطقة ساحة معارك تُدار فيها حروباً بالوكالة..
 

رحلة الأستانا محفوفة بالمخاطر ولن تزيد سوريا إلا وبالاً، فالثورة السورية تعرضت لمؤامرات كونية ولم يكن لأسوأ المتشائمين أن يتوقع ما آلت إليه من انتكاسات، فبعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تنتصر وتهزم النظام وتدخل دمشق، هي الآن قاب قوسين أو أدنى من أن تزول!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.