شعار قسم مدونات

جاهلية المُثقف وجاهلية الجاهل

blogs - culture - books
تُنادي المنصات والأصوات العربية بضرورة توظيف المُثقف العربي في صنع قرار أمته وكيانه. ولطالما لعب المثقفون دوراً مُهماً في نهضة دولهم، وتأسيس كيانها، ومأسستها بما يتوافق مع تطلعات شعوبها، سياسياً واجتماعياً وفكرياً وثقافياً. يخلط العرب بين مفهومي المُثقف والمُتعلّم، حيث ترى الغالبية العربية بأن مُجرد دخول الطالب إلى باحة الجامعة، وانتظامه على مقاعد الدراسة؛ تحول وبشكلٍ تلقائي إلى مثقف، دون النظر إلى مخرجات مؤسساتنا التعليمية والجامعية. يرتبط اصطلاح "مثقف" في الشارع العربي بذلك الشخص الذي أتم تعليمه الجامعي، وغالباً ما يكون قد وصل إلى مرحلة الدراسات العُليا، ليحمل قبل اسمه حرفاً يُشير إلى مرتبةٍ اجتماعيةٍ يستطيع من خلالها الولوج في المجتمع.

ومع أن صناعة المُثقف وإنتاجه لا يكونان بتلك الآلية، إلا أن العقلية العربية زاوجت بين المُثقف والمُتعلم، وليس في ذلك سوءٌ أو نقصان، لكن مُخرجات أنظمتنا التعليمية توحي لك بصعوبة إنتاج مُثقف قادر على إدارة شؤون مُجتمعه، وتصحيح بوصلته الفكرية والاجتماعية، خاصةً إذا ما توفرت له مساحة كافية من الحرية. فالنظام التعليمي الذي يجعلك تقرأ لأجل الاختبار، أو تقرأ لأجل أن تكتب فقط، أو تحمل الشهادة لأجل الوظيفة أو المُسمى الوظيفي، أو لتحملها دون أن تحولك لإنسان دائم البحث عن التساؤل؛ لن يكون بمقدوره صناعة مثقف مُنتج لأمته لا مُستهلِك، إلا إذا تمرد على هكذا نظام، وصنع من نفسه كياناً قادراً على حمل كلمة "المثقف".

إن الترجمة الحقيقية لجاهلية المُثقف وجاهلية الجاهل تكمن في تحول الطموح والشغف في الساحة العربية إلى مُعضلةٍ باتت تُلازم كل من يحمل بداخله الأمل بغدٍ أفضل له ولمُجتمعه.

وإذا ما أصر الشارع العربي على المزاوجة بين المُتعلم والمُثقف، فعلى صُنَّاع القرار التربوي والتعليمي في البلاد العربية من إعادة النظر بمُخرجات مؤسساتنا التعليمية والتربوية، وإحداث ثورة تمنح هذه المؤسسات القُدرة الحقيقية على إنتاج المثقف العربي القادر على التأثير في مُجتمعه بصورةٍ فاعلة، وخلاف ذلك، فستبقى مؤسساتنا التعليمية تُصدِّر لنا حملة الشهادات من المُتعلمين الباحثين عن الوظائف، دون إدراك أهمية ودور المثقف في صناعة التغيير داخل مُجتمعه.

ثمّة مُعضلة يُعاني منها الشارع العربي في هذا الشأن، وهي الشغف والطموح بمستقبل أفضل، يكون بابه العلم وقاعات المحاضرات والجامعات، هذا الطموح بات مُعضلةً بفعل العديد من الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي حرّفت دور المؤسسات التعليمية عن مسارها الصحيح، لترى العديد منا يحمل عدة شهاداتٍ عُليا دون وعيه أو قصور معرفته بما درسه وتلقاه، في تراكمٍ مُتزايد للمثقفين وفقاً لمفهوم حملة الشهادات، بصورةٍ فاقمت من أزمة المثقف والمُتعلم والأميّ والجاهل في الساحة العربية، فمعيار الأمية اليوم تغير عما هو سابقاً، فقد باتت الأميّة اليوم تُقاس بالقدرة على إجادة استخدام التقنيات الحديثة، ويُضاف إليها المقدرة على النطق بلغتين على الأقل غير اللغة الأم.

إن الترجمة الحقيقية لجاهلية المُثقف وجاهلية الجاهل تكمن في تحول الطموح والشغف في الساحة العربية إلى مُعضلةٍ باتت تُلازم كل من يحمل بداخله الأمل بغدٍ أفضل له ولمُجتمعه، بعيداً عن انعدام عدالة التوزيع، والتنافسية غير المهنية، والتي جعلت الإقبال على التعليم من أجل المكاسب المادية فقط، دون الوعي بأهمية صناعة مُثقف عربي قادر على قيادة أمته ومُجتمعه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.