شعار قسم مدونات

هناك حيث احتجزت حريتي

blogs - prisons - syria
كنت قد كتبت هذه الكلمات قبل ما يقارب الأربع سنوات ونصف بعد قضاء يوم أسود في سجون الاسد
هناك .. حيث احتجزت حريتي …
ضع في يدي القيد ألهب أضلعي بالسوط
ضع عنقي على السكين
لن تستطيع حصار فكري ساعة
أو نزع ايماني و نور يقيني
فالنور في قلبي و قلبي في يدي ربي و ربي ناصري و معيني

لم أكن أعلم أن هذه الكلمات ستصبح وردي الوحيد .. هناك .. هناك في غياهب المعتقل .. وفي ظلمات السجون .. و بين يدي سطوة السجان و جبروت المحقق ..

هناك في الأقبية الأمنية حيث تذوب و تتلاشى أجمل ما زرع في قلب الإنسان من الرأفة و الرحمة .. كدت أنسى أنّ هذا الضابط جُبل بالماء و الطين كما جُبلت أنا و كل البشر ..!!
حين يحل الظلام .. يبدأ القلب بالخفقان و تزداد دقاته كلما ازداد ألم المُعَذَّب تزداد كلما ازدادت صرخاته و تعالت أصواته لتزلزل جدران الظلم و لتشبع رغبة سجانه في معرفة مدى قوته و جبروته .. تلك الرغبة الحمقاء اللعينة .. أي حقد و أي قسوة صيرت من هذا المحقق وحشاً لا يعرف الرحمة .. وحشاً يحشد كل ما أوتي من قوة ليشبع مسجونه ضرباً و تعذيباً..

مع هذه الآلام يبدو ذلك العفن الذي تذكرني بها رائحة البطانيات كلما حاولت أن أضم الأرض لتدفئني بحنانها و عطفها 

في تلك اللحظات و مع تعالي الصرخات .. انتابني سؤال ؟ كيف سحبت الرحمة من قلب هذا السجان ؟! و لأجل ماذا يتوحش بهذا الشكل ؟! في كل يوم و حين تقترب الساعة التاسعة مساءاً تبدأ حملة التعذيب .. و يبدأ هذا المحقق عمله الذي يتقاضى أجره ظناً منه أنه يخدم وطنه .. ظناً منه أنه بتعذيب أخيه الإنسان سيغدو صالحاً ..
هذا الكائن يستمر في استنفاذ قوته يومياً خمس ساعات على أقل تقدير في التعذيب .. يلهث حتى يدرك جواباً يرضي غلوه ..

ياله من أحمق ..! أيظن انها شجاعة و نباهة أن ينطق مسجونه ما يريد تحت جلد السوط ..
صرخات و آلام المعذب كادت تقتلني .. كادت تملاؤني حقداً على ظالمه و سجانه .. كادت تحرق في نفسي و قلبي كل ما هو جميل بشرير عمله .. لأنقذ ذاك المظلوم من براثن سجانه .. لأوقف تلك الصرخات و الآلام ..

مع هذه الآلام يبدو ذلك العفن الذي تذكرني بها رائحة البطانيات كلما حاولت أن أضم الأرض لتدفئني بحنانها و عطفها أكثر ألفة و أكثر تقبلاً لتلك الرائحة و أهون عليَّ من أن أسمع صرخات الألم ..

مع تلك الآلام تبدو الرطوبة التي ملأت المكان أكثرتقبلاً من صرخات المُعَذَّب ..
مع تلك الصرخات يغدو البرد الذي تغلغل في مفاصل عظامي شيئاً منسيا .. آآآآآه على تلك الأصوات كم هي مؤلمة لسامعها ..

حريتي هي أغلى ما أملك .. ساسعى لأحافظ عليها و أمنع أي احد أن يحتجزها .. هو قسم لن أفديه بشيء ..!

حيث قيدت حريتي في تلك الزنزانة اللعينة .. يظهر الشوفاج بصفائحه العشرين التي كانت تشعرني بالدفء كلما تأملتها من أوله حتى أصل بنظراتي إلى الأنبوب الواصل بحديدة صغيرة مفصولة عن الجزء الآخر من الأنبوب الذي يصله بباقي الشوفاجات في الزنازين الأخرى سرعان ما تعود إليَّ الرجفة حين أدرك حقيقة هذا الشوفاج المتقطع الأوصال ..!!
هذا الشوفاج حيرني وجوده في الزنزانة بهذه الحال .. لا فائدة منه سوى بعض النظرات الدافئة التي منحني إياها بضع لحظات .. !!

هناك في ظلمات المعتقل شيء وحيد يساعدك على معرفة الوقت ما سمي بـ " وجبات الطعام "!!
و إني لا أنكر أنني كنت محظوظة في بعض لحظات الهدوء حيث كنت أحظى بسماع صوت الآذان في هذا العالم المعزول .. يبدو أنه كان هناك مسجد قريب .. !

صوت الآذان .. وحده الذي أشعرني بالأمان .. في بعض الأوقات كنت أنتظره لترتفع يداي مناجية الله أن ينجيني من سطوة السجان .. هذا الوقت يشعرني بالراحة و الطمأنينة .. كنت أشعر بها رسالة .. رسالة طمأنينة من الله إلى كل مظلوم في هذا المعتقل اللعين ..

يوم في المعتقل أو يزيد .. 28ساعة احتجاز .. قسماً ظننتها دهراً .. هناك تبدو الحياة بلا وقت أو الوقت بلا حياة .. هناك حيث لا طعم للحياة بعيداً عن الأهل و الأحباب .. بعيداُ عن أغلى الأصدقاء لا حياة و لو كانت جنة .. فكيف هنا في هذه النار ..!!

حريتي هي أغلى ما أملك .. ساسعى لأحافظ عليها و أمنع أي احد أن يحتجزها .. هو قسم لن أفديه بشيء ..!
ما بالي وكنت قد خطيت هذه الكلمات ولم ألبث في سجني بضع يوم وحال أخي وكثير من المعتقلين كهذا الحال بل أشد وأكثر قهرا مما رأيت منذ ما يزيد عن أربع وخمس سنوات ! حقيقة لا مقارنة.
كم من البشاعة والقهر لاقو في كل ثانية يعيشوها في هذا الظلام على مدار سنين !
سطرت وجعي توثيقا ولكني أخجل من نفسي أمام توثيقات أعمق أثرا وألما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.