شعار قسم مدونات

كي لا نخسر جابراً جديداً ..

blogs - war
على الرغم مما تمتلكه أمتنا من مفكرين و علماء هزوا بخطبهم شرق العالم الإسلامي وغربه، وبينوا خطر داعش وغيرها من التنظيمات التي تحاول تشويه الواقع الإسلامي، إلا أن الغالبية العظمى من هؤلاء العلماء ركزوا في معركتهم الفكرية مع التنظيم على تبيان أخطائه الشرعية بأسلوب لم يكن مكافئاً لما يقدمه التنظيم لمتابعيه من أفكار مستخدماً وسائل اقناع متجددة، مستغلاً بعد معظم آولئك العلماء عن واقع الشباب وقربهم من السلطات الحاكمة المتواطئة أو المتخاذلة على أقل تقدير، ليستطيع بأسلوبه أن يزرع في عقول مؤيديه أن ما يبث ضده محض افتراء، وأن دولته هي دولة الإسلام التي اجتمع العالم كله على قتالها.

أنا وكثيرٌ غيري كنا من الدعاة للتنظيم، بغير قصد ربما، دعونا أولئك الشباب للرحيل إلى أرض الخلافة

أغفل علماؤنا ضرورة توعية المجتمع عن طرق استيعاب من تطرف فكره بيننا، والذين كانوا ضحية فشلنا في اقناعهم وارجاعهم لجادة الصواب، فشلنا في احتوائهم والحفاظ عليهم بيننا، فخسرنا جولات كثيرة في معركتنا الفكرية مع داعش.

أنا وكثيرٌ غيري كنا من الدعاة للتنظيم، بغير قصد ربما، دعونا أولئك الشباب للرحيل إلى أرض الخلافة، لطالما لجئنا لإنهاء الحديث بجمل استفزازية عندما رأينا أن النقاش معهم أصبح جدلاً .. ولطالما طلبنا منهم الرحيل عنا إلى ما يرونه الحق المطلق، وأن العالم قد تآمر بالكامل عليه، اذهب للعراق وقاتل بجانبهم واتركنا نعيش في مناطق كفرنا إن كنت تراها كذلك .

رغم صداقتي مع جابر لأكثر من سبع سنوات، إلا أني مللت نقاشه في الأشهر الأخيرة فصار ختام كل حديث بيننا " انزل الى الرقة ربما تجد صدق كلامي عندما تعيش بقربهم "، كان جابر ابن الثلاثة والعشرين ربيعاً شاباً كغيره من الشباب، لا يعرف التطرف والتشدد، يدرس الطب منذ قرابة خمس سنوات، وكان تخرجه قد تأخر لعامين بعد فراره من الملاحقة الأمنية في سوريا قبل أن يقرر استكمال دراسته في مصر، ليتركها في العام الماضي معلناً لبعض المقربين التحاقه بتنظيم الدولة وداعياً إياهم أن يتبعوا طريقه.

معركتنا الفكرية مع التنظيم لاتقل أهمية عن المعارك العسكرية، وكم نحتاج من تغيير في آليات طرحنا ونقاشنا

كنا دائما ما نشعره بنقصه، لم نستطع احتوائه بالشكل الصحيح، لطالما حاربنا ذلك الصوت الذي أبقاه لأكثر من عام بالقرب من أهله وأصدقائه، لم نفكر يوماً أن الضغط الذي ولدناه بداخله سيدفعه يوماً لتفجير نفسه على أبواب الموصل في العراق، تاركاً دموع أمه تلوح على عتبة البيت لأكثر من سبعة أشهر وهي تمني النفس بعودته قريباً، محاولةً إقناع عقلها أن آخر ما سمعته منه عندما كان ذاهباً بشاحنته إلى الحور العين كان تهيئات، أو أن الصاعق الذي قال لها أنه يمسكه قد تعطل بفعل دعائها …. ليت ذلك كان حقيقة، وليت كل العذابات التي عشناها في غيابه كانت اختباراً إلهياً، لنصحو من جريمتنا التي ارتكبناها ونرتكبها حتى اليوم.

أعود أحياناً للتفكير، كم من جابر ذهب ضحية ظلم المجتمع وعدم قدرتنا على تقبل فكره، كم من جابر استطاع التنظيم الفوز علينا بمعركة جذبه، وبتقصيرنا انتصر علينا ثانية عندما قنعه بأن كل الذي تكلمنا به عن التنظيم من جرائم كان محض افتراء، و كم من جابر ذهب ليلاقي الحور العين في الجنة عندما حولنا حياته خارج الدولة لجحيم يشعره بنقص ونبذ لم يشعر به سابقاً.

نقسوا دائماً كشباب على من حولنا، على أصدقائنا، على أهلنا، نقسوا عليهم عندما نفقد الأمل في اقناعهم، لأن من زرع تلك الأفكار في رؤوسهم كان أقوى منا، كان أفضل منا في جذبهم واحتوائهم عندما فشلنا نحن في ذلك.

معركتنا الفكرية مع التنظيم لاتقل أهمية عن المعارك العسكرية، وكم نحتاج من تغيير في آليات طرحنا ونقاشنا، وفي آليات فهمنا لأزمة التطرف الفكرية والمجتمعية، وفي الطريقة المثلى لاحتوائهم ..
كي لا نخسر جابراً جديداً نحن بحاجة لذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.