شعار قسم مدونات

طلب صداقة

blogs - facebook
شاهدت قبل آونة قصيرة فيلم بعنوان (friend request) أي (طلب صداقة)، تدور أحداث الفيلم حول شخصيتين رئيسيتين، الأولى (لورا) فتاة ذات شعبية على موقع الفيسبوك ولديها العديد من الأصدقاء والمُتابعين، والأخرى فتاة منطوية غريبة الأطوار (مارينا) تراقب الأولى بإعجاب شديد، وتقوم بإرسال طلب صداقة لها علماً بأن عدّاد الصداقة لديها يُظهر أنها لا تمتلك صديقاً واحداً على الفيسبوك.
 

تُشفق لورا على مارينا وتبدأ بمعاملتها بلطف وتحاول أن تكون طيبة معها، ومارينا بدورها تقوم بإرسال عشرات الرسائل للورا وتهاتفها على الفيسبوك مرّات كثيرة وبشكل غريب، تتعلق بها وتقوم بترصدها، الأمر الذي يخيف لورا ويدعوها لإلغاء صداقتها مع مارينا ومحاولة تجنّبها، وفي المحاضرة التي تجمعهما معاً في الجامعة يُعلن الدكتور في بداية المحاضرة أن (مارينا) قد قامت بالإنتحار أمام شاشة اللابتوب الخاص بها، وتبدأ عندها سلسلة من الأحداث المُخيفة التي تظهر أن روح مارينا تقوم بالانتقام بشكل بشع من لورا مُجرّدةً إيّاها من كل أصدقائها وعائلتها حتى تشعر لورا بالوحدة الموحشة التي كانت تشعر بها مارينا طوال حياتها. الفيلم مُضطرب جداً وبالطبع الحبكة الدرامية جعلت المُخرج يُدخل عنصر السحر والقوة الخارقة وأساليب القتل المُفجعة.

الخصوصية التي كنا دائماً حريصين ألّا ينتهكها أحد مهما كان قريباً أصبحنا ننتهكها بأيدينا وننتظر إعجاب الناس بها

بعد انتهاء الفيلم أخذت أفكر أن وسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت منصات للتعبير والتفاعل قد وفرت بيئة خصبة للأمراض النفسية والجرائم التي لم نسمع بها من قبل، ولست أدعي أنني مُحللة نفسية أولدي أدنى علم في طب النفس، لكن هنالك أمور يسهل عليك تحليلها وتفكيكها والوصول إلى نتائجها بدون خبرة أو ما شابه، وتخيلت أننا نحن الذين قد ندعي أننا أصحاء نفسياً قد شهدنا أمثلة كثيرة من الناس تُشارك أصغر تفاصيل حياتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
 

ويتعدى الأمر الحد المُناسب لما يجب أن تشاركه مع الناس حتى ينتقل إلى بث حي مباشر لحياة الشخص، فنعرف متى استيقظ وماذا تناول في وجبة الفطور وأي ساعة وصل إلى مقر عمله وأين اتجه وشريكه أو أصدقاؤه لقضاء السهرة، بل أصبح هنالك من الناس من يشارك صور أحبائه وهم في ثلاجة الأموات مع عبارة عميقة تظهر التأثر الشديد لفقدانهم، وأصبح الأب يشارك صورة مولوده الجديد قبل حتى أن تراه أمه أو عائلته، وغيرها الكثير من الأمثلة التي تدل على أننا لم نعد نعرف الحد الفاصل بين المُشاركة مع الناس وبين الحياة من أجل الناس، والخصوصية التي كنا دائماً حريصين ألّا ينتهكها أحد مهما كان قريباً أصبحنا ننتهكها بأيدينا وننتظر إعجاب الناس بها الذي يُظهره عدّاد (اللايكات) على الفيسبوك.
 

عرفت الكثير من النماذج التي تتابع شخصية معروفة وفاعلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ الأمر كمتابعة طبيعية وكون تلك الشخصية تبث حياتها أونلاين تطور الموضوع إلى تتبع وترصد ومحاولة للتقليد والمُحاكاة حتى في اللباس واللهجة والمنطق والفكر والتفاصيل، وأذكر أن الموضوع قد وصل بذلك المشهور أن يقوم بتقديم شكوى لمراكز الأمن ضد المُترصد لأن رسائله وملاحقاته أصبحت مُخيفة وغريبة الأطوار، وعندما تنظر إلى ذلك المُعجب من بعيد تراه شخصاً طبيعياً صحياً، وهذا هو ما يثير التساؤل والريبة لدي، إذ أن الوهم الذي قد تخلقه السوشال ميديا قد يتخذ شكل الجُرم أحيانا، ولكن ببساطة لا يُمكننا مُلاحظتها كالجرم العادي، وهذا يعني أننا قد نكون نتعامل مع مهووسين أو مُتلصصين من دوائرنا القريبة ونحن لا نعي ذلك، بل وربما قد نصبح يوماً مثلهم إذا ما أعجبنا بأحدهم وكان أحدهم هذا يزودنا بتقرير مُفصّل عن حياته!.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.