شعار قسم مدونات

هكذا تذكرت أحداث 11 سبتمبر

blogs - sep
كان اليوم ثُلاثاءً، والساعة تشير إلى الثانية عشر زوالاً بتوقيت "غرينيتش".. كان من عادتي أن أتقاسم وجبة الغداء بالمنزل مع أبي، الذي كان من عادته أيضاً، أن يتابع مختلف الأخبار الوطنية والدولية منتصف كل يوم قبل عودته لاستئناف العمل..

كلّ شيء كان يَشي بأن ذلك الصباح لا يختلف عن باقي صباحات "أيلول" المعتدلة. كانت الأخبار تُذاع على لسان مقدّم النشرة دون أيِّ جديدٍ هامّ لافت للانتباه، قبل أن يصعد، فجأة، أسفل شاشة قناة "الجزيرة" شريطُ أخبار متتالية تحت وَسْم "عاجل"، لم تكن إلا أخباراً منقولة في مُجمَلها، عن أبرز وكالات الأنباء العالمية تُفيد بحدوث سلسلة هجمات هزّت بلاد "العمّ سام".. بعدَها، ستنضاف الصور المتدفّقة بشكل حيّ ومباشِر من مكان الأحداث إلى الأخبار المرقونة بعناية أسفل الشاشة جاعلةً إياها تصْطَبغ بحُمْرة فاقعة تجذب العينيْن قبل الأُذنيْن..

تناقلتِ الفضائيات عبر العالم صور هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 فيما يشبه "غزواً فوتوغرافياً"، وتدفقت على شاشاتها عشرات الأخبار العاجلة وغير العاجلة.

ومع توالي الدقائق والساعات، توالتْ معها تفاصيل الأحداث التي كانت مدينتا واشنطن ونيويورك مسرحاً لهما. وسأفهمُ مع مرور الوقت، رغم حداثة عَهدي بهذه الدنيا (كان عُمري حينها لا يتجاوز 6 سنوات)، أن الأمر يتعلق بهجمات دامية وغير مسبوقة تعرّضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها.

كان من أكثر المشاهد التي ظلت عالقة بذاكرتي الطرية أيام الطفولة المبكرة، صُور اصطدام الطائرتين المختطَفتيْن اللّتان تم بهما تنفيذ الهجوم، بالبُرجيْن الشاهقيْن لـ"مركز التجارة العالمي" بنيويورك، الذي كان يشكل ولا زال قلباً نابضاً من قلوب الاقتصاد العالمي. أصابني منظرُ البرجيْن وهُما يتهاوَيان في ثوان معدودة بذُهولٍ مَشوب بالذعر، بقدر ما جعلني أتساءل عن خلفيات وتداعيات ذلك الهجوم بتلك الطريقة التي لم يسبق للعالم أن عرفها.

تناقلتِ الفضائيات عبر العالم صور هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 فيما يشبه "غزواً فوتوغرافياً"، وتدفقت على شاشاتها عشرات الأخبار العاجلة وغير العاجلة لشرح حيثيات وتفاصيل الحدث الذي سيُغيّر فيما بعدُ ليس فقط خارطة طريق السياسة الخارجية الأمريكية، بل وجه العالم بأكمله..

أصابني الفضول، منذ اللحظات الأولى للهجمات، لمعرفة ما جرى بالضبط. ورغم الكمّ الهائل للصور والفيديوهات والأخبار المتدفقة من هناك؛ فإنني لم أجد بُدّاً من اللجوء إلى أبي قصد تلبية رغبتي الجامحة في اكتشاف ما حَدث.. كنتُ أخال الأمر أنه مجرد مَشاهد من فيلم "هوليُودي"، أو مقتطفات من إحدى البرامج الوثائقية حول الخيال العلمي، حيث إنّ عقل الطفل، ذي الخمس سنوات حينها، لم يتقبّل أبداً أن يكون مشهد الطائرات وهي تخترق برجيْن من الفولاذ قبل أن تخرج من الواجهة الأخرى وقد انشطرت إلى أجزاء متفحّمة، مشهداً حقيقياً يقبله منطق العقلاء، لكني سرعان ما سأعلم من أبي، أنهما كانتا طائرتين مدنيتيْن لنقل المسافرين تم اختطافهما لتنفيذ الهجوم ضد البرجيْن الشامخين في ضاحية نيويورك بـ"مانهاتن"..

يبقى الغزو الغربي للعراق واحتلاله لما يزيد عن عشر سنوات، جريمة القرن الواحد والعشرين، إذا ما قورن بأحداث 11 سبتمبر.

مرّت سنوات عن الحادث، الذي ستصبح له ذكرى سنوية أليمة وحزينة في قلوب وأذهان الأمريكيّين، وتزايدت خلالها رغبتي في إشباع الفضول المعرفي، والغوص في أعماق الحدث لسبر أغواره واستكشاف مكنوناته وخباياه. وحاولتُ، دائماً، أن أجد تفسيراً للعلاقة الجدلية بين ما قبل الحادي عشر من سبتمبر وما بعده، خصوصاً ما استتبعَه من أحداث جِسام، لم يكن احتلال أفغانستان وغزو العراق إلاّ جُزءَها الظاهر..

تأمّلتُ مليّاً في الأحداث التي أعقبت هجمات ذلك "الثلاثاء الأسود"، فأيقنتُ أنه لا مجال للمقارنة بين ضحايا الحادي عشر من سبتمبر على دمويّتها (3000 قتيل، فضلاً عن آلاف المصابين)، وضحايا ما خلّفته تداعيات الحادي عشر من سبتمبر من أضعاف القتلى والمصابين، ناهيك عن الأضرار المعنوية التي ألحقتها بشعوب الدول المتضررة من آثار تلك الهجمات..

ويبقى الغزو الغربيُّ للعراق واحتلاله لما يزيد عن عشر سنوات، "جريمة القرن الواحد والعشرين" على حدّ وصف المفكر الأمريكي "نعوم تشومسكي"، إذا ما قُورِنَ لوحده بجريمة إزهاق أرواح المدنيّين يوم 11 سبتمبر 2001.. صحيحٌ أن كِلا الأمريْن جريمة مُدانَة لا تُغتفر بأيّ حال.. لكنّ الأحداث بعَواقِبها تُعرَف مدى فداحتها !

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.