شعار قسم مدونات

الأصنام التي تُحطم الأصنام

blogs- snam
الفسحة التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي آخذة بالتوسع، ولم يعد هنالك ما يُحظر التحدث عنه من خلالها بدءاً من السياسة والهموم الكُبرى للشعوب إلى أن وصلت إلى الأمور الشخصية والأحداث اليومية، وهذا الأمر بحد ذاته له من السلبيات ومن الإيجابيات ما يُصعّب أحيانا الحُكم على مدى كونه أمراً صحياً أم لا، فالمنصات الاجتماعية تسمح للشخص بإظهار الصورة التي يُريدها عن نفسه حتى لو كانت مُغايرة تماماً للواقع.

لاحظنا جميعاً ظهور العديد من الشخصيات التي أخذت على عاتقها التفكير بطريقة مُختلفة في الأمور والمحاولة دائماً بالخروج عن الصندوق أو عن "الكليشيه" الذي يصبغ الأفكار والمبادئ، وهو النتيجة التي قادت إليها العديد من التغيرات التي شهدها الوطن العربي في السنوات الأخيرة من الربيع العربي والثورات الشبابية وحملات التجديد الدينية والتوجهات المُختلفة عن سابقتها في التعامل مع العادات والتقاليد.

الإعجاب المُفرط بشخص معين يضعه في منزلة المثال والقدوة في كل شيء، فيبدأ المعجب بتقليده بجميع التفاصيل مُناقضاً التفرّد والاختلاف الذي أُعجب بصنمه من أجله.

اصطف وراء تلك الشخصيات ملايين المُتابعين الذي لا يتوانون عن إبداء الإعجاب بأي منشور وطرح تقدمه تلك الشخصية، وأحياناً قبل قراءته حتى، واقعين بذلك فيما يُعرف بمغالطة المنشأ التي تكسب فيها المعلومة صحتها أو خطأها اعتماداً على مصدرها فقط دون النظر إلى فحواها، الأمر الذي تطور لاحقاً وأصبح يدفع المعجبين إلى تغيير آراءهم وقناعاتهم وفقاً لما تقوله تلك الشخصيّة بغض النظر إن كانت تلك الأفكار تناسب الشخص وحياته وتقنعه فعلاً أم لا.

ففلان المشهور قد قالها وفلان لا يمكن أن يُخطئ!، وإن قال ما لا يتفق عليه منطق أو عقل يحاول المُعجب أن يُبرر له ذلك ويجد منافذ حتى لا يُدينه أو يُخطّئه، مُشكلين بذلك قاعدة من الولاء والمريدين حول الصنم، ويا للعجب أن هذا الصنم يكتب ويتفاعل حتى يُحطّم الأصنام!، ويدفعون به إلى تزوييدهم دائماً بالأفكار والكلام وإن لم يكن لديه ما يقوله، فهو الآن يقع تحت ضغط إعجابهم وإكبارهم، فيحتاج دائماً للتفكير خارج الصندوق حتى وإن لم يكن به حاجةٌ لذلك، مُشكلاً بمعضلته هذه صندوقاً بحد ذاته!.

وإن توقف الأمر عند ذلك فلا بأس، ولكن للأسف الإعجاب المُفرط بشخص معين يضعه في منزلة المثال والقدوة في كل شيء، فيبدأ المعجب بتقليده بحركاته ولباسه وإيماءاته مُناقضاً التفرّد والاختلاف الذي أُعجب بصنمه من أجله.

هذه ليست مشاهداتٍ فقط، بل هي تتحول إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة تُنبئ بأجيال تنتظر من الناس أن تقول لها ما تفعل وما تعتقد، ولا تعرف الخط الفاصل بين الإعجاب بشخص وتقدير آرائه وبين تقليده والانسياق خلفه. ظاهرة قد أنتجتها مواقع التواصل الاجتماعي التي زودت الجميع بمنابر يخطبون من خلالها في الناس دون أن يطالبهم أحدٌ بالمصدر أو دليل الصحة أو التخصص بالمجال الذي يتحدثون فيه، وما أخشاه هو أن تزحف آثار هذه الظاهرة لتصنع منا ببغاوات وآلات تسجيل تُهاجم وتعترض على ببغاوات وآلات تسجيل الماضي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.