شعار قسم مدونات

من يصفق للرئيس؟

blogs-ثورة
 
لا تؤيد حكومة لا تأمن على نفسك من شرها أن عارضتها. 

تبدو هذه قاعدة يسيرة تقدم معيارا سهلا لتقييم الحكومات وإجابة واضحة لسؤال العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولكن لماذا لا يتبع هذه القاعدة البديهية إلا أقلية ضئيلة؟ 
 

بعيداً عن الدائرة الضيقة من مؤيدي النظام لأنهم جزء منه حقيقة أو توهم منهم أو حتى المشتاقين الذين يسعون لأن يكونوا جزءا منه ويقدمون فروض الطاعة والولاء مقدما أو حتى من يتعرضون لضغوط مباشرة لينضموا لمعسكر نعم شاؤوا أم أبوا. 
 

نجد دائرة أوسع قوامها من المفعول بهم المواطنين العاديين الذين تقع عليهم سياط القمع والفقر ولكن لا يفترون في تقديمهم الدعم غير المشروط ولا المحدود للنظام الذين يجلدهم وأبناءهم، فهل يمكننا أن نصل لتفسير لهذه الظاهرة غير العقلانية؟ 
 

الواقع أن هناك العديد من الدوافع التي يبرر بها الشخص سقوطه في يد الشيطان حتى يعمل ضد مصلحته وضد ضميره، ويأتي على رأسها الخوف. 
 

مهما كانت حجم المعاناة لا يوجد ما يدفع إلي التغيير، إلا الأمل في أن يكون البديل أفضل، وطالما ظل المستبد يوهم الناس بأن كلفة إزاحته أعلى من كلفة بقائه فلا خوف عليه

لم يوجد المستبد الذي لا يحتاج إلى ترهيب أتباعه منه ومن أعداء حقيقيين أو زائفين له يعظم في حجمهم وشرهم باستمرار حتى يصنع ويعمق كراهية طاغية لهم في نفوس من يستبد بهم تجعلهم يتحملون الضيم نكاية في هؤلاء الأعداء وتساعدهم في خداع أنفسهم، وعندما يتورطون ويضعون بأيديهم في جفنه الدم بقبول أو تحريض يصبح رجوعهم غاية في الصعوبة إلا أن يتلقوا تأكيدات صادقة بالتسامح وعدم الانتقام، ولكن الكثير من معارضي الاستبداد يقعون في فخ المستبد الذي يريد تقسيم المجتمع لمعسكرين ويعينونه على ذلك، ومع الاستقطاب الحاد المشوب بالعنف والإرهاب بأنواعهم وأشكالهم المتعددة يدفع الأكثر ضعفاً والأقل قدرة على اتخاذ القرارات بأنفسهم للمعسكر الذي يبدو أكثر قوة والذي يشيع أوهام المؤامرات وأوهام الانتصارات والإنجازات للسيطرة على عقول أتباعه. 
 

فكلنا نذكر يوم لاحت رايات انتصار ثورة يناير فأصبح الجميع من أبنائها المخلصين ثم أنفض الجمع عدا قلة من المخلصين. 
 

عدم الأمل
كل حضارات العالم شهدت استعمالا واسعا للعبودية أسوأ أنواع الاستبداد وأبعدها عن الإنسانية، ورغم ذلك لم تقم جماعات العبيد بالثورة على مالكيها رغم كثرتها العددية التي كانت تصل للأغلبية في كثير من الأحيان إلا فيما ندر، ولم يكن صبرها علي الاستغلال البشع الذي
تعرضت له إلا لفقدانها الأمل في حياة أفضل إن ثاروا. 
 

فمهما كان حجم المعاناة لا يوجد ما يدفع إلي التغيير إلا الأمل في أن يكون البديل أفضل، وطالما ظل المستبد يوهم الناس بأن كلفة أزاحته أعلى من كلفة بقائه فلا خوف عليه. 
 

ومع انعدام الأمل الحقيقي، تروج الأوهام عن مستقبل مبهر لا يحتاج منا إلا الصبر والثقة في القيادات الرشيدة التي تشاركنا الآلام وتعمل لمصلحتنا التي تعرفها أكثر منا، ويصبح الفتات الذي يمنون به علينا مدعاة للحمد وتصبح الجعجعة الفارغة أكبر تعبيرا عن الحرية.
 

انعدام الثقة لتخرج من خانة المفعول به إلى خانة الفاعل يحتاج لدفعة من الثقة بالنفس والثقة بمن يمثلونك، والحقيقة أننا تعرضنا لموجات مكثفة من الخداع الإعلامي، وفي كل مرة ننخدع ونبني مواقفنا على معلومات مغلوطة نفقد جزءا من ثقتنا بأنفسنا وقدراتنا على تمييز الصواب. 
 

والأسوأ أننا صدمنا بخذلان الكثير جداً ممن وهبناهم ثقتنا، فالكثير ممن يسمون نخبة وأنصتنا لآرائهم ورددنا مقولاتهم باحترام سقطوا أخلاقيا في أعيننا بمواقف مخزية لم يسترها عليهم أعداؤهم السياسيين كما لم يستروا هم مخازيهم، فخلت الساحة ممن يمكن وصفهم بالقيادات السياسية والاجتماعية.

لأننا مستبدون لا يمكننا تصور أن تاريخنا الطويل مع الاستبداد لم يطبعنا بطبعه، بل سمة اجتماعية صارخة أن التعصب ورفض الآخر وكراهية المختلفين عنا يصبغ كافة مواقفنا السياسية والاجتماعية وحتى الرياضية، وكثير منا إن كانوا مع أنفسهم صادقين اعترفوا بأنهم لا يكرهون الظلم إن وقع على من يخالفونهم عقيدة أو فكرا. 
 

فمتى يسكت صوت التصفيق النشاز؟
لأنه سيقف حتماً إما بفعل منا أو بطبيعة الأشياء، ولكن إن كان لنا دور في إيقافه فسيكون لنا من ثمار غيابه نصيب.
 

بداية، فهناك خطآن في نظري في محاولات استشراف كيفية الخروج من هذا الجب، أولهما ترويج فكرة الوحدة بين المعارضين كشرط للوقوف أمام المستبد، والثاني التعويل على حراك شعبي واسع يدفعه الانهيار الاقتصادي أو انتهاك لا يمكن تحمله للحرمات. 
 

الغالبية العظمى من الناس ليس لديها القدرة على المبادرة وإنما تتبع القيادة الحاضرة التي تتخذ القرارات نيابة عنها وتتخذ الخطوات اللازمة للدفاع عن حقوقها وحرياتها

وإن كان التوحد بين قوي المعارضة مستحيل لأن بعضها يرفض وجودها من الأساس ويراها مناقضة لأيديولوجيته العلمانية أو الإسلامية، فالأولوية هنا ليست لإقامة تحالف واهٍ بين أطراف لا يثقون ببعضهم، وإنما لإقامة عقد اجتماعي بين مواطنين قائم على مبادئ المواطنة والمساواة في الحقوق والحريات، وإقصاء من يرفض هذا العقد لا يعدو إلا أن يكون رفضاً للاستبداد، فلا معنى للتحالف مع مستبد خارج السلطة ضد المستبد الحالي، إلا إن كانت المشكلة مع المستبد أنه ليس من أبناء قبيلتنا الأيديولوجية بينما الاستبداد ذاته لا عيب فيه. 
 

أما توهم أن الشعب سيستيقظ ذات صباح ويقرر أنه سيقوم بثورة عارمة تطيح بالسلطة وتسقط النظام وتشيد آخر، فليس إلا حيلة نفسية لتبرير التخاذل وتعليق الإحباط على شماعة الأوهام، فالحقيقة الاجتماعية الراسخة أن الغالبية العظمى من عموم الناس ليس لديها القدرة على المبادرة وإنما تتبع القيادة الحاضرة التي تتخذ القرارات نيابة عنها وتتخذ الخطوات اللازمة للدفاع عن حقوقها وحرياتها أو تغتصبهم باسم الشعب الذي رفعهم على الأعناق وهو يظن النير عقد ورود. 
 

صوت التصفيق سيتوقف عندما تعلو أصوات غيره تهتف بالحرية والحقوق، وتلك لن تعلو إلا بإلحاح على مضامينها في مجتمع فقد من ضمن ما فقد الكثير من قيمه ومعاييره وأصبح في حالة انعدام وزن. 
 

الطريق لإعادة الأمل في نفوس الناس وتكوين نخبة جديدة غير مستهلكة وغرس مبادئ المواطنة والمساواة في أرض رويت بالظلم حتى تشبعت وإحياء المعايير الأخلاقية التي تجعلنا نرفض الظلم وإن وقع على من نكره طريق مرهق وطويل.

ولكن في جمال الغاية ما يهون من طول الطريق..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.