شعار قسم مدونات

مدينة.. بين مطرقة البارود وسندان الإعلام

blogs-raqqa
"الرقة".. المدينة التي خرجت فجأة من طي النسيان لتتصدر الإعلام العالمي، المدينة المنسية على ضفاف نهر الفرات أضحت دون سابق إنذار "المعقل الأول" لتنظيم الدولة الإسلامية الذي هز وعصف بمدن وعواصم عالمية كثيرة.

 

عن مدينتي الرقة أقتبس الآتي: الرقة مدينة في شمال سوريا، عاصمة محافظة الرقة تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات على بعد حوالي 160 كلم شرق مدينة حلب، وهي حالياً من أهم المدن التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية وتعتبر بمثابة عاصمة له.

هذا ما سوف يقدمه لك الموقع الشهير "ويكيبيديا" من معلومات عن المدينة عندما تبحث عنها في محرك البحث "غوغل".
 

نعم، عرفها الإعلام العالمي بـ"عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية"، مدينة عمرها آلاف السنين يربطها الإعلام بتنظيم وليد من ثلاث سنوات فقط!!
 

نظام الأسد وبحسب  الشبكة السورية لحقوق الإنسان قتل 96% من الضحايا المدنيين، بينما بلغت نسبة القتلى المدنيين على يد تنظيم الدولة 1%

"البروباغندا" والثورة السورية
أثمرت "بروباغندا النظام" وأعطت نتائج في كثير من دول العالم، إن لم نقل أغلبها، فنظام الأسد الذي وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان قتل في الفترة من منتصف آذار 2011 حتى نهاية تشرين الأول 2015، قتل 96% من الضحايا المدنيين، بينما بلغت نسبة القتلى على يد عناصر تنظيم الدولة 1%.
 

الثمرة الأهم هي أن يصنف فقط قاتل 1% من الضحايا بالإرهابي (وهي مسألة لا خلاف عليها) وتتأهب جيوش العالم لمحاربته، في حين يغض العالم البصر عن المجرم الأساسي (قاتل الـ96%) ويشرعنه كمحارب للإرهاب.
 

وكمؤشر على الكلام أعلاه، تجول اليوم في أي مدينة أوروبية أو أميركية واسال أي مواطن "ما الذي يخطر ببالك عند سماع كلمة سوريا"، سيجيبك على البديهة وبدون تفكير "آي سيس" (داعش)، ولا ذكر طبعاً لجرائم نظام الأسد أو حتى السماع بها، فمن سمع بما يجري بسوريا، خلاف داعش سيخبرك عن "حرب أهلية" و "صراع محلي" بين مكونات الشعب السوري.
 

البروباغندا هي توجيه مجموعة مركزة من الرسائل تستهدف جمهورا من الناس بهدف التأثير على آرائهم السياسية وسلوكهم المعرفي وعاطفتهم تجاه أي قضية.
 

هكذا تشرعن الحكومات الغربية حروبها، وهذه هي "ألف باء" السياسة الغربية التي تعطي الضوء الأخضر لمزيد من القتل والإجرام بحق المدنيين بحجة محاربة الإرهاب.
 

إن التعمق في سياسات الدول تجاه الملفات في الشرق الأوسط تأتيك بالإحباط، حرب نفسية ترغمك على القبول بأي حل والمشي على خطى سياسة الصدمة وسياسة الأمر الواقع الذي رسمته لك هذه الدول.

الشعب التركي بطموحه وإرادته رفع القيودعن الكثير من شعوب المنطقة التي كانت مستسلمة لسياسة الأمر الواقع

تلاحم شعبي وعسكري وتحطيم للقيود
الأيام تجري في روتينها السياسي الاعتيادي، تصريحات واتفاقات فوق الطاولة وتحتها، كل هذا حتى ليلة 15 تموز التي لا يشبه ما قبلها أبداً ما بعدها، ليلة قُلبت فيها الطاولة وخُلطت فيها أوراق لعبة السياسة العالمية، وطرح بيدق إرادة الشعب.

 

الشعب التركي بطموحه وإرادته كسر قوانين كثيرة ورفع القيود، ليس فقط عن تركيا، بل عن الكثير من شعوب المنطقة التي كانت مستسلمة لسياسة الأمر الواقع.
 

أسبوعان وكنا أمام حدث آخر فرض نفسه بقوة أمام الإرادة الدولية، "معركة فك الحصار عن حلب"، معركة جاءت دون موافقة المجتمع الدولي، معركة توحدت بها جميع الفصائل، باختلاف رؤاهم وأيدولوجياتهم حيث تمرد بعضهم على غرف "الموك والموم"، وتغلب الآخر على تصلب أيدولوجي قيده للدخول في معارك كثيرة.
 

في الثورة السورية، كانت الثمرة الأولى للتغريد خارج سرب خارطة السياسات المرسومة، قرأت منشورا على مواقع التواصل الاجتماعية للأستاذ "أحمد كامل" قال فيه "حذار من الحرب النفسية يا أهل حلب الحرة، ويا أهل سورية الحرة.. إياكم أن تخافوا من الأنباء عن حصول اتفاق روسي أمريكي على هزيمة الثورة السورية، روسيا وأمريكا متفقتان من اليوم الأول، وعاجزتان من ست سنوات عن هزيمة الشعب السوري الحر، حلب التي هزمت ٢٣ إمبراطورية لن يحكمها بوتين ولا خامنئي ولا صالح مسلم".
 

"البروباغندا" العالمية والرقة
إذاً، هذه هي الحرب النفسية التي يمارسها الإعلام العالمي على الشعوب، وهذا هو سلاح البروباغندا الذي يصور مدينتي الصغيرة التي يسكنها نحو 800 ألف مدني، بأنها معقل تنظيم الدولة.

 

الرقة مدينة سورية، كما حلب وإدلب ودرعا ودمشق، لم ولن تكون معقلاً لغير أهلها السوريين

هذا الإعلام الذي يرى "الإرهاب" في الرقة ويغض البصر عن داريا ودوما ومضايا.. هذا الإعلام الذي يغض الطرف عن إرهاب حزب الله والروس والإيرانين والحشد الشعبي والحوثيين.
 

يكفي أن تذكر جملة "الرقة معقل داعش" أو "الرقة عاصمة جهاديي داعش" في بداية خبر بوسائل الإعلام العالمية حتى تشرعن ما حصل وسيحصل للمدينة وأهلها البسطاء الذين يترنحون بين طائرات الروس والتحالف الدولي، وطائفية النظام وحلفائه، إضافة لعنصرية ميليشا "وحدات حماية الشعب الكردية" وسكين تنظيم الدولة.
 

الرقة مدينة سورية، كما حلب وإدلب ودرعا ودمشق، لم ولن تكون معقلاً لغير أهلها السوريين، وتلك حرب نفسية يجب أن لا نستسلم لها، وعلينا أن نقرأ الواقع بالشكل الصحيح ويجب دائماً أن يكون "السلاح قرين القلم".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.