شعار قسم مدونات

معادلة من تكون؟

blogs- human
قال الفيلسوف لاوتزه:
"عندما تتخلى عن ما تكون، تصبح ما يمكن أن تكون".

هي عبارة تختزل فلسفة الحياة بأكملها، لدرجة أن قوتها تدفعك لقراءتها عدة مرات حتى يسري مفعولها بداخلك ويتذوقها قلبك.. عندما تتخلى عما كنت تظن أنك ستكونه، ستتمكن من خلق حياة جديدة!

التنازل أحيانا لا يكون ضعفا ولا هوانا، بل هو حركة حيوية تمتاز باليقين الذي يخلق فرصا متعددة في المستقبل

صعبة في الفهم والاستيعاب، صعبة في أن يتقبلها كل واحد منا.
مقولة منسوبة لما قبل الميلاد، تخبرك أن السعادة لا تكمن فيما ترسمه في خلدك لأول مرة! وإنما في ما تتنازل عما كنت تظن أن السعادة كامنة فيه.

بعيــدا عن حكماء الصين وفلاسفة اليونان ومفكري الهند، رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-.. يخبرنا أن (من ترك شيئا لله عوضه الله خير منه).. هنا السعادة لا تقاس بما تملك، أو ما تتخلى عنه، أو بما تضحي به.. بل لمن تضحي ولمن تتنازل؟

السعادة تقاس هنا بمدى ارتباطك بالله – عز وجل – وقدرتك على التخلي عما تحب أحيانا لا لشيء، سوى لوجهه سبحانه.

التنازل أحيانا لا يكون ضعفا ولا هوانا، بل هو حركة حيوية تمتاز باليقين الذي يخلق فرصا متعددة في المستقبل، وإلا فلم يستمر الموظف في عمل يمقته؟ والطالب في شعبة لا يحبها؟ والمرأة في زواج ترى ظلام العالم فيه؟

لماذا يستمر كل هؤلاء للإنصات إلى صوت يخبرهم بأنهم ليسوا في المكان الذي خلقوا لأجله؟
ببساطة لأن أهم باب يجب أن يفتح لم يطرق أصلا! باب السؤال، ذاك الذي يعيد ترتيب أوراق العقل ليعرضها على محكمة القلب؛ ليخلصان إلى حكم نافذ في البشرية، يلوح لنا بإشارات حمراء كل مرة، ويخبرنا في كل حين: أن كل عذر يمنعك من أن تكون في المكان الذي خلقت لأجله هو عذر زائف، “فكلٌ ميسّر لما خُلق له”.

اجعلها بين عينيك: "لأن لطف الله يرعاك".. اقرأها من أي زاوية شئت، ستلمسها حينما تقف على ناصية حلمك

في معادلة من تكون؛ لا يهم من تكون أصلا، أو كيف تبدو، أو من أين تأتي، أو ماذا تعمل؛ ما يهم هنا هو ما تستطيع التضحية من أجله لأن تكون ما تريد؟!

قد تتخلى عن ما تكون أحيانا، فتندم ندما شديدا، تُغلق الأبواب دونك، تتحسر عن الحلم الذي لم يكتمل، عن البذرة التي لم تثمر، عن الهدف الذي لم يتحقق. وحين يهدأ قلبك، وتستكين جوارحك، تطمئن روحك، وتوقن خلالها أن الأمر كله لم يكن سوى ابتلاء من الله عز وجل ليخرج أجمل ما فيك، ولتحتضن الحياة مرة أخرى، فأغلب الذين يحترقون من الداخل يشرقون من الخارج فتشرق العوالم من حولهم.

واعلم حين تستقر على حلم لم تحلم بأن تكونه يوما أن ذلك ليس بذكائك.. ولا لأنك قرأت يوما عبارة للحكيم لاوتزه.. ولا لأن دقة حساباتك قادتك لذلك.. أبدا!

اجعلها بين عينيك: "لأن لطف الله يرعاك" اقرأها من أي زاوية شئت. ستلمسها حينما تقف على ناصية حلمك؛ فترى لطف الله يتجلى في تفاصيلك الصغيرة التي أوصلتك لما أنت عليه الآن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.