شعار قسم مدونات

عندما تسقط الأقنعة

blogs - masks

كثيرا ما سمعنا وقرأنا عن الباحثين عن الحقيقة، فالحقيقة محبوبة، والبحث عنها بجد وصدق يكسبها أهمية عظمى في دنيا الناس، فبالحقيقة وحدها ينتشر الأمل، ويصبح الصدق سيدا، ولا تجد مكانا للكذب والخداع في المجتمع، سواء على مستوى القيادة أو على مستوى الأفراد. 

ولكن حينما يسقط القناع وتنكشف الحقيقة، ترى وجوها عليها غبرة، ترهقها قترة، تحاول أن تتغلغل بين أفراد المجتمع بصورتها السيئة فلا تجد إلا الطرد، فالمتلونون يصعب العيش معهم، وكيف يمكن أن يكون التآلف والوداد مع إنسان كنت تظن أنه الدواء الشافي لجرحك، وصرحك العالي في بنيانك، وحلمك الوردي لأملك، وإذا به يهوى أمامك وتنكشف حقيقته عند سقوط قناعه المختبئ خلفه. 

تسقط الأقنعة حينما يهجوك اللسان الذي كنت تظن أنه لسانك

تسقط الأقنعة حينما تصفعك اليد التي كنت تنتظر أن تُمدّ لك بالعطاء، وحينما تصفعك وقد كنت تظن أنها سندك.

وتسقط الأقنعة حينما يتنكر لك من كانت له منزلة في قلبك قد تتجاوز منزلة أقرب الناس إليك.

وتسقط الأقنعة حينما يهجوك اللسان الذي كنت تظن أنه لسانك.
وتسقط الأقنعة حينما تركلك القدم التي كنت تظن أنها معينك.
وتسقط وتسقط.. 

حينها تسقط الثقة ممن هم حولك، وتتغير حالك، فبعدما كنت تقدم نفسك هدية لمريدها، أصبحت تتفحص الوجوه لعلك تكتشف الحقيقة قبل أن يسقط القناع، وهل هذه الوجوه حقيقية أم إنها وجوه من ورق تهوي بها الريح فترميها بعيدا؟!! 

من رام معرفة صدق الوجوه فليتأمل في المواقف وأصحابها، سترى حقيقة الوجوه عند حاجتك وفي مصيبتك

القناع لا يسقط إلا عند أصحاب الدنيا وطالبي المصالح الرخيصة، والذين بنوا علاقاتهم على أهواء أنفسهم، فهؤلاء أقنعتهم من زجاج كسرها لا يجبر، وأما أصحاب المبادئ الزكية، الذين تربوا على الصدق، فشأنهم معك إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وتبقى حقيقتهم كما هي لا يسترها قناع، ولا تدنيها مصالح. 

المواقف هي وحدها من تكشف الأقنعة، والتعامل هو من يكشف لك الحقيقة، فمن رام معرفة صدق الوجوه فليتأمل في المواقف، وليتأمل أصحابها، سترى حقيقة الوجوه عند حاجتك، وفي مصيبتك، وفي مصلحة صاحبك، فبعضهم من يقدم مصلحته على صحبتك، وبعضهم من يتخلى عنك وأنت في أمسّ الحاجة إليه.

وقديما قيل:
جــزى الله الشـدائد كـل خير
عرفت بها عدوي من صــديقي

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.