شعار قسم مدونات

الحرية تحت رحمة مقص الرقيب

blogs - writing - aseel

يبدو أننا أصبحنا تحت رحمة مقص الرقيب في كل شئون حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، فكل ما خالف شروط الرقيب فهو محذوف أو غير مرغوب فيه، حتى أصبحنا مكممي الأفواه، لا نستطيع أن ننبس ببنت شفة.
 

والأدهى والأمر من ذلك إذا علمت أنك قد تجاوزت مقص الرقيب لتتناولك مقصلة القوم بالنقد والتجريح، أو قل بالضرب والركل حتى يصل الحال بك إلى أن تنسى اسم أمك التي ولدتك.
 

نحن في أمة قدر لها أن تكون ديمقراطية مع غيرها، دكتاتورية مع أفراد شعبها إلا من فئة قليلة لا تكاد تُذكر في دنيا الدول .
 

لقد أصبح مقص الرقيب ينسينا مناهجنا ليقول لنا أن قادة الفتح، وأبطال الوغى ما هم إلا فئة مغتصبة لدول غيرهم، والواجب أن تُمحى سيرهم من ذاكرة الأبناء.

قل لي بربك : مئات الآلاف من القتلى، والملايين من المشردين والجرحى لو كان الرقيب رفيقا بها، ولم يستخدم مقصه لقطع ألسنتهم وقتل حرياتهم وقمع إرادتهم هل كانوا ليعبروا عن رأيهم أمامه، والثورة عليه وعلى دكتاتوريته؟!
 

مقص الرقيب أصبح كملك الموت غير محبوب، فهو أمامك شاهر مقصه فاغر فمه يقول لك: لا تتكلم.. لا تكتب.. لا تدلي برأيك.. اخفض رأسك.. لقد تعديت على أسيادك.. لقد نسيت نفسك.

 

حتى يخيل إليك أنك أبكم أصم إلا من بعض مجالس تختلي فيها بصحبة، وقد تخشى مع الأيام أن يكون أحدهم هو مقص الرقيب الذي يستخدمه صاحبه!
 

لماذا تُمنع الكتب في بلادنا، ويعمل مقص الرقيب عمله بحجة مخالفة شروط النشر في حين أن الرقيب يشتريها من الدول التي يتشدق أمامها بالحرية والديموقراطية؟!
 

ولماذا يتحكم مقص الرقيب من بيان عوار المخالف فكرا ومنهجا ومذهبا، في الوقت الذي يُسمح له بالصياح ملء صوته ليتكلم عن فكرك ومنهجك ومذهبك بالسب والهمز واللمز؟!
 

ولماذا يُخرس مقص الرقيب الألسن حين المطالبة بالحقوق بحجة التعدي على الوحدة والنسيج الاجتماعي، في حين أن الحقوق كامنة في يد فئة متسلطة من التجار وأصحاب القرار؟!
 

ويزداد الأمر سوءا حينما يكون مقص الرقيب من الدول التي ترفع راية الحريات والديموقراطية، وأنها أمّ الحنان ومساعدة الضعفاء، لترضى لنفسها أن تفعل ما تشاء، وتمنع عنك ما تشاء، حتى في تقريرك مصيرك.
 

وصدق القائل: سلام! على قاتل الغيد والأبرياء السلام! على بائع الأرض والكبرياء السلام! وبوركتما تصنعان السلام!  وبوركتما تنثران الحضارة في مربع الجهل تبتسمان وتعتنقان وترتجلان! ألذ الكلام! سلام!
 

إلى متى يظل مقص الرقيب يعمل عمله فينا، حتى أصبحنا ننسى أن أمتنا هذه هي خير الأمم، وأن ربعي بن عامر أحد قوّادها، لم تفتنه زخارف كسرى، ولم يخفه كثرة عدده وعتاده، ليقول لمقص الرقيب في دولة فارس: لن أدعك تخرس لساني، أو تخفض صوتي، فأنا من أمة جاءت لتخرجكم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
 

لقد أصبح مقص الرقيب ينسينا مناهجنا ليقول لنا أن قادة الفتح، وأبطال الوغى ما هم إلا فئة مغتصبة لدول غيرهم، والواجب أن تُمحى سيرهم من ذاكرة الأبناء، وحتى لا يبقى لذكرهم أثر في أي جانب من جوانب حياتنا وحياة أبنائنا.
 

ولعلي في الختام أقول كلمة: لقد أصبحت يا مقص الرقيب عبئا ثقيلا علينا، لقد سئمنا وجودك معنا، وعدت أخشى أن يكون ما أكتبه الآن تحت رحمة مقص الرقيب فيرسل لي رسالة أنه مخالف لسياسة النشر!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.