شعار قسم مدونات

الصراع العالمي في سوريا أو "جدار برلين" الجديد.

blogs - بوتين و الاسد

مثّلت الثورة السوريّة عند القوى العالميّة ودول الإقليم تهديدا مباشرا لمصالحها الاستراتيجيّة في المنطقة، أوّل من كان سيدفع ثمنه بعد نظام الأسد الوجود العسكري الروسي بسوريا والكيان الصهيوني! لهذه الأسباب شهد المجال السوري استنفارا عسكريّا عالميّا لم يشهده العالم منذ الحرب العالميّة الثانية، أو ربّما نحن بصدد مشاهدة طور آخر من أطوار تلك الحرب العالميّة التي تعيد بناء "جدار برلين" جديد في سوريا!
 

يهدف تدخّل إيران أساسا للحفاظ على سلطة العائلة العلويّة وتحقيق حلمها في إنشاء الهلال الشيعي الذي ينطلق من المحيط الهادئ إلى البحر الأبيض المتوسّط حيث حليفها اللبناني حزب الله.

سارعت روسيا بتدعيم وجودها العسكري في الشمال الغربي السوري (مركز العلويين الساحلي) من خلال قواعد جوية وقواعد غواصات خارج اللاذقية (حميميم وجبلة، على التوالي) تُضاف إلى قاعدتها البحرية في طرطوس. وقد نصبت بقواعدها منظومات S300 وS400 الصاروخيّة لحماية منشآتها العسكريّة وجنودها الذين تجاوز عددهم 5000 جندي وقرابة 2000 من المرتزقة الروس الذين يشاركون القوات النظامية القتال في الجبهات الأماميّة، هذا بالإضافة إلى قواعدها الجويّة بإيران. ويتمّ هذا بالتنسيق مع الكيان الصهيوني الذي يمنع على القوّات الروسية التدخّل في الجنوب الغربي لمساندة النفوذ الإيراني والميليشيات الشيعيّة المتواجدة فيه.
 

ويتجاوز عدد القوات الإيرانيّة المدعومة من عشرات المليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية وغيرها أكثر من ستّين ألف مقاتل على الأراضي السوريّة.  ويهدف تدخّل إيران أساسا للحفاظ على سلطة العائلة العلويّة وتحقيق حلمها في إنشاء الهلال الشيعي الذي ينطلق من المحيط الهادئ إلى البحر الأبيض المتوسّط حيث حليفها اللبناني حزب الله.
 

أمّا الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل فهم يسعون إلى إقامة دويلة كردستان السوريّة عبر حليفهم "قوّات سوريا الديمقراطية" وهي تنظيم عسكري مشكّل من عدّة ميليشيات من أهمّها "قوّات الحماية الشعبيّة" الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الكردي (وهو النسخة السوريّة لحزب العمال الكردستاني التركي)، ممّا اضطرّ تركيا الدخول في صراع مباشر ضدّ حلفائها التقليديّين في الحلف الأطلسي، وصل حدّ محاولة الأخيرين الإطاحة بالرئيس التركي من خلال الانقلاب العسكري الفاشل في 15 جويلية 2016. وقد سعت روسيا بدورها إلى دعم الأكراد بغية تركيز قاعدة رادار في تدمر تكون قادرة على تغطية منطقة المشرق العربي.
 

دعمت تركيا قوّات المعارضة السوريّة وواصلت في إمدادها بالسلاح والمعلومات، وربّما كان لإسقاط الطائرة الحربيّة الروسيّة من قبل قوّات دفاع الجوّ التركيّة أثر في تسريع عمليّة المباحثات الثنائيّة.

وعلى خلفيّة هذا الصراع غير المعلن، سارعت تركيا بالتدخّل في الشمال السوري فيما سمّي بعمليّة "درع الفرات" الذي يهدف إلى منع تواجد قوّات كرديّة شمال الفرات وقطع الطريق على مخطّط التقسيم الغربي ووضع حدّ لعمليّة الهرسلة الروسيّة.
 

كما عجّل تطوّر الأحداث وتشابك المصالح بدخول تركيا في مباحثات مع روسيا للتفاهم حول ملفّات تخصّ الشأن السوري والكردي والتركماني، خاصّة بعد الضغوطات التي مارستها روسيا على تركيا من خلال تمكين القوات الكرديّة من صواريخ دفاع جوّي محمولة من طراز "SA-18" مكّنتها من إسقاط مروحيّات عسكريّة تركيّة. في المقابل دعمت تركيا قوّات المعارضة السوريّة وواصلت في إمدادها بالسلاح والمعلومات، وربّما كان لإسقاط الطائرة الحربيّة الروسيّة من قبل قوّات دفاع الجوّ التركيّة أثر في تسريع عمليّة المباحثات الثنائيّة.
 

أمّا عن المحور السعودي القطري التركي فلم يستطع الصمود أمام التدخّل العسكري الميداني لروسيا وإيران، وبقي مجرّد إعلان نوايا لم يتطوّر إلى قوّة فاعلة في معادلة الصراع الدولي في سوريا، إذ بقي الدعم السعودي للمعارضة رهين توجّهات الدولة التركية، التي تمثّل خط إمداداتهم الرئيسي.
 

من جانب آخر، مثّل الوجود التركماني في منطقة النفوذ الروسي (شمال غرب سوريا) حافزا إضافيا جعل من التفاهم التركي الروسي ضرورة استراتيجيّة لا غنى عنها لكلتا الدولتين.
 

أخيرا في ظلّ هذه الصراعات والمفاهمات الجيوستراتيجيّة يبقى الشعب السوري وثورته في مهبّ رياح صراع عالمي وإمبرياليّات صغيرة وكبيرة متنافسة، وحتما بيعت حلب وأهلها في خضمّ هذه المفاهمات وشقّوا لأهلها طريقا لهجرة قسريّة نحو مخيّمات اللجوء!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.