شعار قسم مدونات

انتهاك الجسد البشري غير لائق تماما

blogs- حلب
كنت أشاهد قناة الجزيرة أتابع نشرة الأخبار، وأثناء الفاصل قمت بتغيير القناة إلى قناة أخرى وكان لفيلم أجنبي .حقيقة لم تستغرق رؤيتي لهذا الفيلم أكثر من دقيقة فقد شدّني منظر رجل مقتول مسجى على سرير التشريح وبجانبه طبيب التشريح ورجل الشرطة، ولأني لا أحسن اللغة الإنجليزية فقد اهتممت بالترجمة للكلام الذي قاله الطبيب، فهو بحق ينبغي أن يكون في لوحة كبيرة تعلّق في أروقة الأمم المتحدة، وأمام كراسي المجتمعين فيها، فقد قال هذا الطبيب: انتهاك الجسد البشري غير لائق تماما.
 

توقفت كثيرا أمام مثالية هؤلاء القوم حين يخدعوننا بالرحمة التي يتغنون بها، والدموع التي يذرفونها كذبا أمام شاشات الإعلام، وهم أبعد الناس عنها، فانتهاك الجسد البشري غير لائق تماما حينما يكون من أبناء جلدتهم، ومن الطائفة التي ينتمون إليها، أما حين يكون الجسد البشري عربيا أو أجنبيا يخالف سياستهم فإنه ولا شك وأظن ذلك مؤكدا أن الترجمة ستكون حينئذ: انتهاك الجسد المخالف لنا لائق تماما.
 

إذا وقف العالم أمام ما تفعله روسيا مستنكرا من قتل وتدمير في سوريا، رفعت يدها مستخدمة حق الفيتو، لتنسف كل المبادئ التي كتبوها ونادوا بها.

كيف لا يكون جسد المخالف لهم عرضة لتسديد سلاحهم عليه، وها هي الدولة العظمى في حرب واحدة وبقنبلتين فقط في هيروشيما وناجازاكي قتلوا ما يقارب من ١٤٠٠٠٠ نسمة، وكان لائقا بهم أن ينتهكوا هذه الأجساد، ويقتلوا مثل هذا العدد بسبب الإشعاعات ومرض السرطان والجروح .ومثلها الامبراطورية الأخرى التي تستخدم في كل جلسة من جلسات مجلس الأمن حق الفيتو لتمكن الطغاة من انتهاك الجسد البشري، ويتبجح قائد طائراتهم أن الطيارين في حرب سوريا قد تمرسوا بنسبة ٨٥٪.

المسألة لا تدعو إلى العجب والتعجب، فالجسد البشري عند هذه الدول التي تتغنى باحترام الجسد البشري ليس له أي قيمة تذكر، فهاهم في الحرب العالمية الأولى ومن أجل أوهام عاشوا لها باسم الإمبراطوريات ضحوا بثمانية مليون نسمة، وفي الحرب العالمية الثانية ضحوا بضعف العدد إذ بلغ عدد القتلى ستة عشر مليون نسمة. فإذا كان هذا شأنهم مع أبناء جلدتهم ورخص جسده عندهم، فهل سيكون شأننا نحن المخالفين لهم في المعتقد والمنهج أعز وأكثر احتراما؟!

إنني على يقين أنهم يتمنون ألا يبقى منا أي جسد يمشي على وجه الأرض، فنحن عندهم لا نستحق العيش، وهذا الأمر ليس بمستغرب فما كتبته أيديهم وحرّفته، زرعت فيهم أمرا ينبغي ألا يغيب عنا، وهو أن القضاء علينا وأخذ أمولنا هو من صميم ما يتقربون به إلى إلههم الذي يعبدون.
 

واليوم والعالم كله ينادي باحترام الإنسان وحقوقه، ولإحترام مواثيق الأمم المتحدة التي وضعوها لتخدم مصالحهم، نجد أنه لا فرق بين مجتمع يرى أن الغلبة والوجود يجب أن يكون للقوي ولو برفع يد لتنسف إجماع مجتمع متمثل في دول العالم أجمع.
 

ولا أدل على صدق ما أقول ما تفعله روسيا من قتل وتدمير في سوريا عموما وحلب خصوصا، فإذا وقف العالم أمامها مستنكرا فعلتها، وطالبا من العالم اتخاذ قرار ضدها، رفعت يدها مستخدمة حق الفيتو، لتنسف كل المبادئ التي كتبوها ونادوا بها.
 

إن المقولة التي قالها طبيب الفيلم: انتهاك الجسد البشري غير لائق بتاتا لن تجدي نفعا عند رعاة القتل والإرهاب، ولن يكون لها مكان عند أصحاب الفيتو، وإنما مكانها الحقيقي عند قوم يقول أميرهم: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
 

أما هؤلاء الذين يتغنون بالرحمة والشفقة، ومساعدة الضعيف، فهم إنما يفعلون ذلك ليقنعوا أتباعهم أن الخيرية فيهم حسبما تعلموه في تلمودهم، وأنّ غيرهم من الشعوب والأجناس أحط من الكلاب، وما مكانهم إلا الرق والعذاب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.