شعار قسم مدونات

مولود من رحم الموت

blogs - مولود تركيا

"وحدك تقاتل، وحدك تقاوم، وحدك تموت، تحارب العالم بأسره ولا أحد يقف إلى جانبك، كلهم يلهثون خلف مصالحهم التي لم تعد تخفى على أحد" كل تلك الأفكار كنت قد تيقنت منها خلال السنوات الماضية، كنت قد تيقنت أيضاً أن الإنسانية كذبة، وأن الأمة الاسلامية في سبات منذ قرون ولا بوادر لصحوتها، كنت قد فقدت الأمل في ظهور معتصم يجيب صرخات الثكالى، كل ذلك كان قد ملأ عقلي، قبل أن يولد "مولود".

 

في الوقت الذي ظننت فيه أن الأمة أصبحت عاقراً وأن الموت يداهمها من كل جانب، أتى "مولود"، في ربيعه الثاني والعشرين، أتى ورحل في وقت واحد!، أوصل رسالة عجز عن إيصالها آلاف الشيوخ والمثقفين، قال جملتين عند ولادته كانتا أبلغ من كتب مجلدات.

 

كلماتك الأخيرة، بحة صوتك، ما زالت تتردد في أذني لغاية اللحظة، أي صدق حملته تلك الكلمات، وأي إنسانية أحيتها جملك، وأي رجولة تمتعت بها لتقدم على ذلك الفعل.

لن أفكر كثيراً في جدوى فعله أو تأثيره على القضية السورية، لن أفكر في موقف بلاده من الفعل ولا بتبعاته على العلاقات الروسية التركية، كل ما أفكر به هو أن بطلاً ليس من أبناء جلدتنا، لم يربطه بنا إلا رابط الدين ورابط الانسانية، أقدم على فعلٍ يعلم تمام العلم أنه سيودي بحياته، لكنّه أراد أن يعلن تضامنه مع السوريين بكل ما يملك.. وهل من شيء يقدم أغلى من الروح؟

 

سبع عجاف مرت علينا، لم نعد نكترث فيها "يا صديقي" بتحليلات السياسيين وكلامهم عن المؤامرات، نبحث عن أي وهم لنصر لم ننله، نفرح بأي صرخة تنصرنا، فكيف بمن قدم روحه وهو ينادي لا تنسوا حلب!

 

أعيد المقطع للمرة السبعين ربما، لا أملّ رؤيته، أبحث في كل مرة أراه فيها عن تلك الأجندات السياسية، والألاعيب المخابراتية، أو أي شيء من هذا القبيل الذي صدع رؤوسنا المحللون به ضمن تحليلاتهم للحادثة، ولا أرى سوى شاب ملأه عنفوان الشباب فوجد في تلك الطريقة السبيل الأمثل ليعبر عن تضامنه مع حلب الجريحة، التي هجّر أهلها الطيران الروسي، وقتل منهم آلاف الأبرياء.

 

" لا تنسوا سوريا، لا تنسوا حلب " كلماتك الأخيرة، بحة صوتك، ما زالت تتردد في أذني لغاية اللحظة، أي صدق حملته تلك الكلمات، وأي إنسانية أحيتها جملك، وأي رجولة تمتعت بها لتقدم على ذلك الفعل.

 

لا أدري يا صديقي إن كان مقنعاً ما أقوله، أو أنّه مجرد إرضاء لقلب شبع قهراً، فنحن كما يقول لي نذير " مجروحون ونتألم، ونبحث عن أي انتقام غامض ومتلفز يخفف قهرنا القلبي ". هذا الألم واليأس جعلنا نبحث عن أي نصر وهمي، عن أي موقف تضامني ننصب صانعه بطلاً، لنواسي أنفسنا في خيباتنا المتتالية، نحن نصنع لأنفسنا فرحاً مؤقتاً لنكتشف بعد فترة وجيزة أن فرحنا كان لمأساة جديدة. ولا أدري إلى أين سيقودنا كل هذا القهر بعدها..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.