شعار قسم مدونات

أميركا تنتصر في حلب

Protesters chant slogans during a sit-in, in solidarity with the people of Aleppo and against Russia's support of the Syrian regime, in front of the Russian embassy in Amman, Jordan, December 13, 2016. REUTERS/Muhammad Hamed

مخطئٌ من يظن أن روسيا أو إيران أو الأسد هم من انتصروا في معركة حلب، أو أن أميركا التي ادعت أنها تقف إلى جانب الشعب السوري عبر تصريحاتها لم تكن تحاربه طيلة السنين الماضية، واستطاعت في معركتها الأخيرة في حلب أن تحقق نصراً لحليفها "بشار الأسد".
 

مع اندلاع الثورة السورية وبداية سيطرة الثوار على العديد من المدن خلال السنوات الماضية، بدأت أميركا حربها ضد الثورة على امتداد الأرض السورية، ولعل حلب كانت الأرض التي دارت عليها المعركة الرئيسية مع الأمريكان، حرب طويلة الأمد عملت خلالها على قتل الثوار تارة وتهجيرهم تارة أخرى، إلى أن استطاعت روسيا والأسد مؤخراً استكمال الدور الأمريكي والسيطرة على مدينة حلب بعد صمود الثوار فيها لما يقارب الخمس سنوات.
 

لعل القاسم المشترك بين كل المنظمات الدولية هي إدارتها من قبل أمريكان، أياً كانت هوية تلك المنظمة، فكل المنظمات التي تعاملت معها خلال تواجدي في تركيا كانت تحت إدارتهم

لم تكن الحرب الأمريكية باستخدام الأسلحة المتعارف عليها، لم تقصف مواقع الثوار التي كانت تعرفها بدقة، ولم تعمد لاغتيالهم المباشر رغم قدرتها على الوصول إلى القيادات البارزة، لكنها عملت على اغتيال الثورة عبر سرطان "منظمات المجتمع المدني" والتي أفرغت المنطقة من معظم الثوار بشكل أو بآخر.
 

ولعل إفراغ الثورة من شبابها كان أهم ما استطاعت أميركا تحقيقه عبر منظماتها، ولم يقدر النظام وروسيا أن يحققوه رغم كل الإجرام الذي ارتكبوه بحق السوريين من قتل واعتقال وتعذيب بكل ما هو محرم "دولياً".
 

قدمت تلك المنظمات منحاً دراسية في مجالات عدة كحقوق الإنسان وقيادة المجتمع والقانون الدولي في كبرى الجامعات بأميركا وأوروبا.. طلبت ممثلين من المنظمات الثورية العاملة في الداخل لتكريمها في مؤتمر ات دولية، فرص كبيرة وفرتها تلك المنظمات لتفرغ حلب وسوريا من نشطائها، تلك الفرص التي أمنت مستقبل أولئك الناشطين لم تكن لتحدث ذلك التأثير لو اقتصرت على بعض النشطاء، لكنها كانت تعمل بمخطط خبيث على عدة محاور لإفراغ الساحة السورية من الثوار.
 

وكل ما زاد ثباتك زاد عطائهم، دورات تدريبية تحت مسميات كثيرة "سلم أهلي – فض نزاع -المواطن الصحفي.. " أقامتها منظمات غربية في أفخم الفنادق في تركيا، دعت إليها وعلى مدار ثلاثة أعوام معظم النشطاء العاملين في الساحة السورية، إقامة في فنادق الخمس نجوم، بدل سفر، دعم لمشاريع بآلاف الدولارات، عروض عمل برواتب مغرية مع منظمات كبرى، جائزة أفضل صورة، أفضل فيلم، حرية الصحافة، أوسكار، نوبل.. فقط أخرج من منطقتك بأي شكل ممكن!

ومن اعتاد حياة الرفاهية تلك لم يكن ليستطيع أن يتقبل حياته البائسة تحت البراميل المتفجرة والصواريخ الباليستية، قد يبدو الأمر عادياً لو تكرر مرة أو اثنتين، لكن مع كثرته اعتاد معظم النشطاء على تلك الحياة، فمن زار مدينة غازي عنتاب منذ عام 2013 وحتى العام الماضي لرأى فيها أعداداً مهولة من الثوار السوريين المتنقلين بين حلب وتركيا، كلهم يزور المدينة بدعوة من تلك المنظمات لحضور ورشات عمل ودورات تدريبية حول مواضيع متعددة في غالبها ليست مفيدة لأولئك النشطاء.
 

الصحوة الثورية الأخيرة التي ترافقت مع مأساة حلب تبشر بأن رياح الثوار ستعود مجدداً، وأنهم كانوا محتاجين لتلك الصدمة كي يستيقظوا

كان التواجد في مدينة هادئة جميلة وفي فندق فخم يشكل فرصة جيدة للخروج من جو الحرب والموت الذي اعتادوا رؤيته في مدينتهم المدمرة، كل ذلك لم يشكل حينها أزمة، إلا عندما تحول لإدمانٍ على حياة الرفاهية تلك، ولم يستطع الكثيرون التخلي عنها حين افتقدوها، مما اضطرهم للبحث عن حياة مستقرة في مدينة ما بعيدة عن تلك الحرب توفر لهم جانباً من تلك الرفاهية.
 

ولعل القاسم المشترك بين كل المنظمات الدولية هي إدارتها من قبل أمريكان، أياً كانت هوية تلك المنظمة، فكل المنظمات التي تعاملت معها خلال تواجدي في تركيا كانت تحت إدارتهم، منظمات بريطانية ونرويجية وسويدية وغيرها، كلها كانت تدار من قبلهم، رغم كونها في الغالبية منظمات حكومية، تتبع لوزارات خارجية الدول تلك، إلا أن ذلك لم يمنع أن يكون مسؤول الملف السوري فيها أمريكي!
 

تلك الخطة لم نكن لندركها كثوار حين كنا ننعم بحياة الفنادق، إلا أننا بدأنا نحصد نتائجها حالياً، حين باتت المدن تسقط واحدة تلو الأخرى دون قدرة منا على استعادة تأثيرنا أو تغيير واقعنا الحالي الذي يزداد مرارة يوماً بعد يوم.
 

لكن الصحوة الثورية الأخيرة التي ترافقت مع مأساة حلب تبشر بأن رياح الثوار ستعود مجدداً، وأنهم كانوا محتاجين لتلك الصدمة كي يستيقظوا من الأحلام التي أغرقهم بها المجتمع الدولي، ولأجل ذلك فقط علينا أن نقاوم مخدرهم الذي يضعوه لنا في خطاباتهم وبياناتهم وفي كل تحرك يدّعون أنه لأجلنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.