شعار قسم مدونات

سأعود إلى فرشتي..

blogs - soldier
وأنا أفكر، كيف يمكن أن أتخلص من هذا الكابوس؟ لماذا يجب عليّ أن أنام كل يوم وأنا على شك بأني إذا صحوت سأكون بين أكوام الرماد؟  لماذا أستمر في الجلوس على هذه الفرشة التي أصبحت تظن أني جزء منها؟  لأخرج من هذا السجن الذي كبلني وقيدني، سأحاول .. وأنا على يقين بأني سأجد مخرجاً من هذا، لأفعلها..

خرجت من بيتي ولكن .. في كل خطوة أخطوها أشعر بصوت يناديني للرجوع لبيتي.. لا لن أعود، سأنجح في الرحيل إلى مكان أفضل من هذا.. وصلت لباب البناية، إلى أين سأذهب؟  هناك أربعة أزقة للعبور، حسناً سأبدأ من هذا الزقاق، مشيت إلى آخره ولكني وجدت ثلاثة جنود بلباسٍ عسكريّ.. سأحاول الحديث معهم لعلهم يسمحون لي بالعبور.

– قلت: السلام عليكم هل يمكنني العبور؟
– أجاب أحدهم: ماذا! اذهب من هنا، هذه أرضنا ولا نسمح لكم بالدخول إليها.
– قلت في نفسي: ولكن هذه أرضي، أرض أبائي وأجدادي.
– قال لي: اذهب قبل أن أثقب رأسك.
– قلت له مقهوراً: حسناً سأذهب ولكني على يقين بأنكم سترحلون يوماً من هذه الأرض.

أنا آسف يا وطني، والله إني لأعشقك بحروبك ودمارك ومشقة العيش فيك، سامحني يا وطني، سامحني يا من احتضنني ورعاني منذ صغري، لن أفرط فيك ولن أستغني عنك.

عدت إلى مجمع الأزقة، احترت في أي زقاق أدخل هذه المرة، لفت انتباهي نور من أحد الأزقة، ذهبت خلاله خائفاً وكان البرد شديدا، ولما وصلت آخره وجدت مجموعة من الشباب الملثمين جالسين حول أكوام من الحطب المشتعل.

– قلت لهم متردداً: هل بإمكاني أن أتدفأ قليلاً؟، لم يجيبوا. فأكملت: إذاً سأعبر من هنا.
– قال أحدهم بصوتٍ مخيف: قف مكانك! قام بتفتيشي حتى تأكد بأني لا أحمل سلاحا.
– قال لي: من أين أتيت؟
– أجبته: من وسط حربٍ دامت سنين. 
– قال لي باستغراب: حرب؟ مع من؟  
-أجبت بانكسار: حرب مع بعضنا البعض، أريد أن أهرب من هذا الكابوس.
فضحك وقال: جد طريقا آخر؛ لأن هذا الطريق سيؤدي بك إلى حرب داخلية أخرى.
-قلت له: ولكنهم يلقبون هذا البلد بالسعيد!
-أجابني بحزن: لم يتبق له من السعادة شيء.

رجعت إلى مجمع الأزقة ولم يتبق أمامي سوى زقاقين، دخلت أحدهما، كان أطول من الأزقة الأخرى، وصلت لآخره بعد تعب، وجدت مجموعة من الرجال والنساء مقيدين، وقد بانت على وجوههم آثار التعذيب، وكأن سِباعا هاجمتهم ونكّلت بهم!

لمحت أحدهم يحرك قدمه بصعوبة، ركضت إليه أسانده ليحدثني عما يجري!  قلت له: ماذا يحدث هنا؟ لماذا أنتم مقيدون؟
-أجابني بثقل: لأننا لسنا أقوياء لندافع عن أنفسنا وعن عيالنا.
-قلت له باستغراب: تدافعون عن أنفسكم! ممن ولماذا؟
-أجاب والدمعة تسقط من عينه: نحن هنا في كرب كبير لأننا على غير دين أهل هذه البلاد، فهم يستبدون بنا ويحرقوننا ويعذبوننا ولا حول لنا ولا قوة.

لمحت أحدهم قادما والسوط في يده، فهربت عائداً إلى مجمع الأزقة.  لم يتبق سوى زقاق واحد فقط، سألت الله أن يكون معبراً للحرية، مشيت فيه وأنا أتمتم بكلمات غير مفهومة، وصلت لآخر الزقاق فوجدت رجلا أسود تكاد العظام تخرج من جسده.. عندما رأيت ضعفه ووهنه قد غلبا عليه ظننت أن هذا المخرج سيكون سبيل حريتي.

-قلت للرجل: أيمكنني العبور؟
-أجاب باستهزاء: اعبر إذا أردت.
-استنكرت جوابه، لكنه أكمل في فضفضة: إلى أين ستعبر؟ إلى العذاب أم إلى القبر؟  قلت له: لم أفهم، ماذا تقصد.
-أجاب: هنا يا هذا يموت الأطفال والنساء والرجال بالمئات يومياً.

-قلت: ماذا تقول! أتوجد هنا حرب أيضاً!
-أجابني: لا.. لا توجد حروب.
-قلت له: إذاً كيف تموت كل هذه الأعداد!
-أجابني: جسدي يفسر لك معنى كلامي، الجوع.. نحن بالكاد نملك الماء، ليس لدينا ما نأكله ليبقينا على قيد الحياة.

قلت في نفسي والندم قد طغى على ملامح وجهي: أنا آسف يا وطني، والله إني لأعشقك بحروبك ودمارك ومشقة العيش فيك، سامحني يا وطني، سامحني يا من احتضنني ورعاني منذ صغري، لن أفرط فيك ولن أستغني عنك. تجاهل الرجل صمتي وقال: إذا أردت أن تتعذب جوعاً حتى الخلاص فاعبر.

أجبته مع دمعة تختصر الحكاية: لا .. لن أعبر ، سأعود إلى الفرشة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.