شعار قسم مدونات

الديمقراطية.. العرب على سرير بروكرست

برلمان

تعرف الديمقراطية في أبسط تعريفاتها بأنها حكم الشعب لنفسه، وكغيرها من المفاهيم والمصطلحات الوافدة علينا من الغرب يكثر حولها الجدل والنقاش، فتختلف الأراء وتتضارب الرؤى ويكثر اللغط، ليستقر المفهوم عند بعض التعريفات المختلفة سواء في بنائها الفلسفي أو يحددها الانتماء الأيديولوجي ولهذا يظل هذا المفهوم أعرجا أو مشوها غير مكتمل الصورة.

فمحاولة الغرب تصدير الديمقراطية كقالب جاهز يتسع مقاسه لكل الدول باختلاف أنظمة حكمها دون مراعاة خصوصية المجتمعات بعاداتها وتقاليدها، أو التي لازال الدين محركها يعتبر تجنيا على الديمقراطية في حد ذاتها، وعلى الدول العربية، وما ذلك إلا كزرع عضو غريب على جسم أصيل فيرفضه ولا يتقبله.

سرير بروكرست قام بعدة عمليات جراحية، أعيد من خلالها رسم وتشكيل أنظمة الدول العربية بما يتوافق مع مصلحة الغرب، فأدمى ولا زال يدمي إلى الآن كل من اضطجع فوقه.

فالديمقراطية الغربية لها سياقها الخاص الذي نشئت فيه يختلف تماما عن السياق العربي، من حيث ثقافة الدولة وفي مفهوم وكيفية الحكم، وما أشبه طريقة الغرب في تعميم الديمقراطية كنموذج للحكم بالمغالطة المنطقية والمسماة بسرير بروكرست حيث يشير مؤلف كتاب "المغالطات المنطقية " عادل مصطفى إلى هاذه المغالطة ويقول:

"حيث أن بروكرست كان في الميثالوجيا اليونانية قاطع طريق وكانت له طريقة خاصة في التعامل مع ضحاياه فقد كان يستدرج ضحيته ويضيفه وبعد العشاء يدعوه إلى قضاء الليل على سريره الحديدي والذي كان يتميز بميزة عجيبة كون طوله يلائم دائما مقاس النائم أي كان، غيرأن بروكرست لم يكن يفسر كيف ذلك، حتى إذا اضطجع الضحية على السرير جعل بروكرست يربطه بإحكام ويشد رجليه إن كان قصيرا ليمطهما إلى الحافة، أو يبترهما بترا إن كان طويلا ليفصل منها ما تجاوز المضجع حتى ينطبق تماما مع طول السرير".

ألم تُدمر دولا كالعراق بسبب الديمقراطية ؟ أفليس هذا فعلا (للبتر)! ألم تصبح الديمقراطية كلمة مفتاحية للتدخل في الدول العربية؟ ألم تشترط على أنظمة الحكم إصلاحات ديمقراطية مقابل التعامل مع المؤسسات الدولية؟

إن طريقة عولمة الديمقراطية وفق سرير بروكرست أنتجت إما دولا فاشلة مؤسساتيا،أو خلفت أزمة هوية، حيث تتضارب قيم المجتمع وخصوصيته مع مبادئ الديمقراطية، إن سرير بروكرست قام بعدة عمليات جراحية، أعيد من خلالها رسم وتشكيل أنظمة الدول العربية بما يتوافق مع مصلحة الغرب، فأدمى ولا زال يدمي إلى الآن كل من اضطجع فوقه.

والإشكال أن الديمقراطية ليست كلها خير كما يعتقد البعض أو يدافع عنها فقد كرهها أفلاطون وقال" بأن جميع أنظمة الحكم الموجودة وبدون استثناء أنظمة فاسدة، وقد استفحل فيها فساد التشريع والأخلاق العامة" وكذلك جون جاك روسو وأرسطو وغيرهم، إلا أن للقوة لغة مغايرة وهذا مايؤكده نعوم تشومسكي حين يقول بأن العالم تحكمه بديهة ثيوسديديس: "القوي يفعل كمايريد والضعيف يعاني كما يجب".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.