شعار قسم مدونات

حكومة غير مصرح بها

blogs-morocco government

في أحايين كثيرة يجد المرء في المغرب صعوبة بالغة في فهم واستيعاب فكرة لماذا لا تريد أطراف من داخل السلطة أن تفهم بعد أن الأشياء قد تغيرت فعلا؟ وأن ما كان جائزا ذات يوم أصبح في الوقت الحالي من الكبائر والمحرمات السياسية التي يمنع منعا كليا العودة إليه.

فبعد كل هذه السنوات لم تقتنع الفلول الرافضة للتطور والإصلاح في هذا البلد أن الأمور لا يمكن أن تعود فعلا إلى الوراء، وأن المواطن اتخذ قراره بشكل لا رجعي وهو أن زمن "البصراوية" (نسبة لوزير داخلية الحسن الثاني إدريس البصري) انتهى وتم دفنه، وأن ما تصبوا إليه هذه الجهات وترجوه هو ضد مشيئة التاريخ وضد سنة الحياة نفسها.

فبعد أكثر من أربعين يوما والبلد تعيش دون حكومة وبرلمان لايجتمع، ومنذ أكثر من أربعين يوما وإدارة مصالح البلد الأساسية متوقفة، وبعد أكثر من أربعين يوما وخزينة البلد تتحمل تكاليف مالية ضخمة هي في غنى عنها في عز الأزمة والحاجة لكل درهم منها لكي نصل لحد الكفاف فقط في إدارة البلد.

طلب التحكيم أو التدخل الملكي في كل خلاف سياسي توجه غير سليم حتى وإن كان الدستور يسمح بذلك، وإلا فلا حاجة لنا بالدستور ولا بالمؤسسات

فحزب حاصل على أزيد من ثلث عدد المقاعد.. وكانت الأمور ستسير بشكل عادي بما يحترم أدنى أسس الممارسة الديمقراطية كما هو مفترض فيها، وبشكل بديهي كما يحدث في أي بلد في العالم يقول إنه ديمقراطي، وبالطبع لإكمال النصاب القانوني كان من الضروري الاستعانة ببعض الأحزاب الأخرى في إطار تحالف حكومي وفي ظل شروط تتفق عليها الأطراف بعد ذلك.

لكن الذي حدث أن أطرافا داخل الدولة لم يرقها ما جاءت به نتائج صناديق الاقتراع، ولم تستسغ كيف لحزب "إسلامي" لا يخضع "كلية" للمخزن ويسعى لتكوين سلطة مستقلة عن تلك الجهات التي تملك السلطة الحقيقية، ونتيجة لذلك فكما رأته هذه الأطراف كحل لمواجهة هذا الحزب وظفت كل إمكانتها المتاحة للحيلولة دون نجاحه رغم أنه الأول في الانتخابات من تشكيل حكومته.

فضدا عن كل الأعراف السياسية وضدا عن كل المبادئ والبديهيات التي تدخل في أسس الممارسة الديمقراطية تتدخل هذه الجهات بشكل مفضوح وصارخ، وتمد يدها الطولا وتصدر أوامرها العليا "لطابورها الخامس" من الأحزاب الإدارية بالخصوص بحظر أي تعامل أو تحالف مع هذا الحزب حتى يعود إلى "بيت الطاعة" ويقبل بشروطها التي لا يمكن لأي شخصية سياسية تحترم نفسها وتملك قدر من عزة نفس بقبولها.

كان يمكن أن نسلم بالأمر على كونه مجرد خلاف سياسي عادي بين أحزاب بأهداف وتوجهات سياسية مختلفة وبرامج متفاوتة، لكن التجربة السياسية المغربية بينت بما لا يدع مجال لأي شك أن "أحزاب الإدارة" ليست أحزاب نفسها ولم يكن يوما القرار قرارها، وما أنشأها المخزن إلا لخدمته، فهي كانت دائما ولا تزال تشتغل بمنطق الهاتف والأوامر من أطراف داخل السلطة، وهذا ما يجعلنا على يقين بما لا يدع مجال للشك أن هذا الأزمة حاليا هي من صنع السلطة وأطراف من المخزن ولأهداف في نفسهما.

فالمسألة إذا ليست ذي علاقة بخلاف في البرامج أو في التوجهات التي ستكون عليها سياسة الحكومة أو ما شابه، لكن الأزمة المفتعلة في حقيقتها هي على علاقة بوجود أحزاب غير مطلوب منها أن تكون مستقلة وبقرارات ذاتية بعيدا عن مقص الرقيب.

تعثر إخراج الحكومة للوجود يفوت الفرصة التاريخية للبلد للقطيعة مع سلوكات وممارسة لا تزال قائمة في أنظمة ديكتاتورية وشمولية فقط

لذلك فالثمن الحقيقي لتعثر إخراج الحكومة للوجود، ليس في التكلفة المالية لانتخابات جديدة أو شيء من هذا القبيل، ولا حتى في المخرجات المختلفة التي يراها البعض حلولا للخروج من الأزمة. لكن الثمن الأكبر في تفويت الفرصة التاريخية للبلد للقطيعة مع سلوكات وممارسة لا تزال قائمة في الأنظمة الديكتاتورية والشمولية فقط. تكلفة تسعى لإرجاع البلد سنوات وسنوات حيث تلك الفترة التي لا حركة ولا سكون إلا بإذن المخزن.

لذلك نعتقد أن الملك  أنه ليس المطلوب لتدخل  الملك- لأنه ما كان كل هذا سيتم لو أراد غير ذلك-  وإذا كان لابد من التدخل فيجب أن يكون من باب توجيه وأمر المقربين منه نحو اللعب ضمن إطار "أخلاقي" يراعي نزاهة الحياة السياسية ومصلحة البلد والمواطن وفقط، وبعيدا عن أي حسابات سياسية أو حتى شخصية، وكذا التدخل ضد مقربيه للقطع مع اللعب بالنار وبالتصرفات "الصبيانية" التي تضع مصير بد بأكمله على المحك.

وطلب التحكيم أو التدخل الملكي خارج هذا الإطار توجه غير سليم بالمرة حتى وإن كان الدستور يسمح بذلك، ببساطة لأنه سيرسخ لعرف وثقافة سياسية غير سليمة هي الأخرى، وهو أنه كلما وقع خلاف سياسي يتم التوجه للملك، وإذا كان يجب أن يكون الأمر كذلك فنعتقد أنه لا حاجة لنا بالدستور ولا بالمؤسسات من الأصل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.