شعار قسم مدونات

حفتر في الموانئ النفطية..مشهد الإرباك الليبي (2)

blogs - haftar
من الصعب رسم سيناريوهات مستقبلية جدية قبل أن تتحول ردود الفعل المكتوبة إلى أفعال؛ لكن هناك مؤشرات لا يمكن إغفالها عند استشراف مآلات الأوضاع:

1. منذ أسبوعين على الأقل والمبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر يعبر بما يفهم منه قبوله المبدئي بمكان لحفتر في مشهد ما بعد الاتفاق السياسي، الذي صممت بعض مواده لإقصائه. فإذا كان كوبلر يريد غض الطرف عن وجود حفتر في مركز قوة بالموانئ النفطية، وصاحب ذلك قبول من حفتر بحكومة الوفاق، وقد اختفت من بياناته الأخيرة الإشارة السالبة إلى حكومة الوفاق، وحقق بوجوده في الموانئ عودة النفط إلى التدفق، وسلم الموانئ شكليا لسلطة حكومة الوفاق، فإنه بذلك يحقق مطالب الدول الغربية، ويضع للسراج مركزا جديدا، ويسحب الكثير من حجج حرب مضادة لاستعادة الموانئ. وهي نقاط كلها ستكون في صالح شعبية حفتر.

يبقى حفتر هو العقدة الأساسية في المشهد الليبي، وقد كان في أضعف محطاته خلال الأسابيع الفارطة، لكنه استعاد بالاستيلاء على الهلال النفطي مركزه.

فإذا حقق كوبلر مع هذا قبولا من رئيس مجلس النواب، وحلفاء حفتر، بإعطاء الثقة لحكومة الوفاق، فإنها تكون أيضا أكسبت كوبلر والدول الغربية، والمستثمرين في الاتفاق السياسي عموما، ما يمكن أن يسكت عنهم مناصري الاتفاق من القوى الداخلية التي تناهض حفتر.

2. أما إذا عاجلت بعض القوى (الجضران، البرغثي) الموانئ النفطية بهجوم قبل أن ينطلق منها التصدير واستطاعت استعادة بعض المواقع فيها، وهو أمر وارد جدا لأن بعضها وصل إلى حد الصراع الصفري مع حفتر، فإن ذلك يعني انهيار الاتفاق السياسي أو ضعفه إلى درجة قد تصل إلى عودة ما قبل الصخيرات؛ حكومتان في الشرق والغرب، تتنازعان الشرعية، تتمسك إحداهما بشرعية الاتفاق السياسي، والأخرى بشرعية مجلس النواب. ما يعني في المحصلة حربا جديدة في أكثر من مكان لمدة سنة أو تزيد. لا يمكن التنبؤ بما يتلوها.

3. قد تستطيع القوى الغربية احتواء الأزمة من جديد بإيجاد مخرج يرضي أغلب الأطراف، ويجعل لأزمة الموانئ مخرجا، ويقنع القوى المناهضة لحفتر بتأجيل إقصائه إلى ما بعد إقرار حكومة الوفاق من البرلمان واستلامها السلطة كاملة، إنه سيكون تأجيلا للمشكلة لا حلا لها، وتسييرا لمعضلة استعصت على الحلول، وهو أمر يمكن تصوره، خصوصا وأن المبعوث الأممي إلى ليبيا لا يريد أن يفشل في مهمته، فشلا فاضحا.

يبقى مع كل هذا حفتر هو العقدة الأساسية في المشهد الليبي، وقد كان في أضعف محطاته خلال الأسابيع الفارطة، لكنه استعاد بالاستيلاء على الهلال النفطي مركزه، وأعاد المشكلة الليبية إلى مربعات ما قبل اتفاق الصخيرات.

وكل سيناريوهات التقسيم أو ضعف المركز يخدمه استمرار الأزمة الحالية في مستواها الآن أو زيادة تعقيدها، وإبعاد الحلول الناجعة عنها.

ليس حفتر الآن هو قبل سنتين، ولا داعموه بنفس قوتهم وحماسهم يومها، ولا خصومه بنفس القلة والضعف؛ فبعض حلفائه قبل سنتين يقاتلونه الآن، وبعض حلفائه الخارجيين يواجهون أوضاعا داخلية صعبة، والليبيون يتطلعون إلى أفق لا حرب فيه، ولا أشلاء ولا خصومات.

لا أحد من أطرف الصراع الليبي، ولا من القوى الدولية يعلن صراحة قبوله، أو سعيه إلى تقسيم ليبيا إلى دولتين، أو ثلاث، لكن كثيرا من تصرفات بعض أطراف المشهد تسير في هذا الاتجاه، وما من شك في أن دولة مثل فرنسا تتمنى ضعف الدولة المركزية في ليبيا، لأن ذلك سيساعدها كثيرا في ممارسة ما تهوى في الجنوب الليبي. كما أن دولة مثل مصر يسرها ألا تقوى دولة المركز في ليبيا، لأن استفرادها بدولة في الشرق الليبي، أو بشرق ينحسر عنه ظل المركز سيمكنها من ممارسة ما تراه مصالح لها دون عناء كبير.

وكل سيناريوهات التقسيم أو ضعف المركز يخدمه استمرار الأزمة الحالية في مستواها الآن أو زيادة تعقيدها، وإبعاد الحلول الناجعة عنها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.