شعار قسم مدونات

عن ثقافة الإنسان السويدي أكتب!

blogs-السويد

تعرض الكثيرُ من الإعلاميين والكتّاب للثقافة الغربية بصورة انتقائية بالتركيز في إيجابياتها، أو بالصورة النقدية النمطية التي تتناقلها بعض الكتب، وتارة عبر التركيز الشديد على النهضة الصناعية والتنظيمية، إلا أن البعد الإنساني غائبٌ تماماً، ذلك المختفي بين جنبات المصانع أو في احتفالياتهِ الاجتماعية بعيداً، وذلك أنه يستلزم المعايشة والاحتكاك على مدى طويل نسبياً، وهو يختلف من بلد لآخر بشكل كبير داخل القارة الأوربية نفسها؛ كالمجر أو فرنسا أو مملكة السويد.

بادئ ذي بدء، عندما يهمّ شخصٌ بالكتابة عن شعب من الشعوب، فإنه يبدو وكأنّه يقدح في الآخرين، وهذا ما لا أودُّ أن يشعر به القارئ الكريم، فبعد مخالطتي لشعب الشمال الأوربي بشكل لا بأس به، أزعم أنه تبين لي الكثير من الخفايا من إيجابيات وسلبيات؛ التي تغيب عن الزائر الذي يستمتع بالمباني العريقة فقط، وأشعر وكأني أنظر إلى العالم العربي بمنظار بعيد.

السويديون يحبّون الطبيعة جداً والشمس والحيوانات، لدرجة أن حب الطبيعة تعتبر قريبة من منزلة الدين لدى الكثيرين

فإني أسرد ما عاينته فالسويديون في نقاط:
شعب هادئٌ للغاية، لا يصرخون بتاتاً بالأطفال، بسبب القوانين الصارمة، فلهم طرقهم في التربية.

تقل نسبة العنصرية بشكل كبير عند غالب السويديين، ففي مخيلتهم أن سكان سوريا أو أرتيريا كما سكان ألمانيا أو أمريكا ثقافات مختلفة، ينبغي الاحتفاءُ بهم والاستفادة منهم.

الصدق يثمن عالياً، فهم لا يضيّعون أوقاتهم في الكذب، مما جعلهم يكسبون الثقة بالتجارة عالمياً، وتعطى للموظف عندهم ثقة ممتازة تكسبه الحرية والشعور بالولاء للمؤسسة.

السويديون يحبّون الطبيعة جداً والشمس والحيوانات، لدرجة أن حب الطبيعة تعتبر قريبة من منزلة "الدين" لدى الكثيرين، فتسير في الشوارع من النادر أن تجد أوراقاً ملقاة إلا قرب مدارس الأطفال، وهنا حق يدعى "الحق في الطبيعة" للتخييم بحرية والقيام بالنشاطات مع العناية بالطبيعة.

من المهم جداً ألا تلفت الانتباه من خلال حديثك إلى نفسك، فإنه معيب للغاية.

في السويد يجب الوصول في الوقت المحدد، "فسرقة الوقت" من الآخر تعتبر عملاً سيئاً جداً.

كما أن المساواة عميقة بدرجة كبيرة جداً بين الرجل والمرأة، حيث تقوم بمختلف الأعمال جنباً إلى جنب مع الرجل.

في السويد كل شيء يجب أن يتم بشكل لائق، الاحتفالات، المحاضرات، الأعمال..

كل المعلومات حول مختلف الأمور متاحة، فأرقام الجوالات والأسماء والعناوين كل شيء متاح على النت، كما أن الشركات مفتوحة للجميع ليتعلموا فيها.

لا يشربون الكحول في أيام العمل، وهناك أنظمة صارمة للكحوليات يحد من انتشارها، حيث تعتبر الدول الاسكندنافية من أقل الدول استهلاكاً للكحول.

المرأة في السويد تعيش حياتها في شركات يديرها الرجال، ويتم حالياً دراسة قوانين لإشراك المرأة بإدارة الشركات بنسبة محددة.

يعتبر الدين والدخل قضيةً شخصيةً، من العيب السؤال عنهما.

من المفضل ألا تتكلم عن الهموم ما لم يكن ضرورياً، وألا تشتكي وأن تكون مفعماً بالإيجابية، وتلتزم الطابور دائما!

في غالبية البيوت من الأدب خلع المعطف والحذاء عند الباب حتى لا تتبلل المرافق وتبقى نظيفة.

سياق المحادثات غالباً ما يتم:
مرحبا، كيف حالك؟
جيد جداً، الطقس جميل
ما هي مهنتك؟
الطقس سيظل جيداً عدة أيام.

تقول في السويد شكراً على الطعام والمساعدة واللقاء الماضي، كما القرض والهدية.

السويديون حريصون كل الحرص على القوانين ومنها (لا يمكنك القيادة وأنت تشرب الكحول)

يعيش السويديون حالة من العزلة بحكم الطقس البارد في شمال أوربا، والقوانين التي تحد العلاقة مع الآخر، وتعتبر من أصعب الدول في بناء العلاقات كما تقول قناة BBC في موقعها، فيما يبدون المرونة في اكتساب الأصدقاء أكثر عقب الحفلات الموسيقية.

أربعون في المئة من الشعب السويدي يغني في فرق موسيقية والبيانو تجده في مختلف المرافق، مما جعلها من أهم الدول في تصدير الموسيقى في العالم، ويفهم ثمانون في المئة منهم الإنكليزية إلى جانب التحدث أساساً بالسويدية.

هناك إشكالية في فهم بعض الأمور كمصافحة الرجل للمرأة، التي تعتبر هامة للغاية، وهو ما لا يوجد في كثير من المجتمعات الإسلامية، والذبح بالطريقة الإسلامية، مما يثير جدالات في الصحافة بين الحين والآخر.

الثقة بالآخر تصل إلى ثمانين في المئة في السويد، فيما تقل إلى عشرين في المئة في فرنسا، إلا أن الأعمال الانتحارية التي تم ارتكابها في فرنسا مؤخراً؛ أثرت كثيراً وقلبت المزاج العام ضد اللاجئين والتكلفة العالية التي تسببوا بها، مما أدى إلى إقرار قوانين جديدة، تعتبر صارمة وأغلقت بذلك باب سياسة الهجرة السخيّة.

حققت السويد خلال مئة سنة فقط قفزة نوعية إذ تحولت من بلد فقير إلى مملكة غنية، تقصدها الناس للجوء

السويد ليست البلد الأول في الانتحار ولا من العشرين الأوائل، ونظام الدولة تعاوني (النموذج الاسكندنافي) حيث يدفع الناس ثلاثين في المئة فأكثر من رواتبهم كضرائب، مقابل حصول المجتمع على خدمات ممتازة، كالمواصلات لأطفال المدارس ووجبة طعام يومية مجانية لهم، ورواتب تقاعد، ومساعدات مادية اجتماعية متنوعة، مع مجانية الطبابة.

يلتزم السويديون علاقة حميمة واحدة، علاقة الصديق أو الصديقة، ريثما يتم الزواج، وقد يتم الإنجاب قبل الزواج، حيث يتواجد سبعة وخمسون في المئة من الأطفال في السويد يعيشون مع أب أو أم فقط، خارج إطار الزوجية.

حققت السويد خلال مئة سنة فقط قفزة نوعية إذ تحولت من بلد فقير إلى مملكة غنية، تقصدها الناس للجوء.

إن الأمم على تنوعها الصينية واليابانية والسويدية وغيرها، لها قيم أدت إلى بلدان ومدن جميلة، وقد خلقنا كشعوب وقبائل لنتعرف إلى بعضنا البعض، ومن المهم للغاية أن نتقبل ونتسامح مع وجود آخر مختلف عنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.