شعار قسم مدونات

ماذا لو لم أكن إعلامياً؟!

blogs - media
بعد أكثر من 16 سنة من الغياب عن المدرسة المتوسطة بعناصرها الجغرافية والديمغرافية والابتعاد عن أصدقاء تلك المنطقة التي ما عدت أسكنها، اقترح لي موقع فايسبوك إضافة أحد الأصدقاء القدامى فسرعان ما طلبت صداقته وراسلته ليجيبني بحرارة "أهلاً بالصحفي، لا زلت أتذكر حينما سألتنا معلمة اللغة العربية عما نريد أن نصبح حين نكبر، فبينما كانت أحلام الجميع عشوائية كنتَ تريد أنت أن تصبح صحفياً".

وها أنا ذا بعد التخرج من كلية الإعلام وبعد أن توزع الأصدقاء من حولي ما بين التخصصات العلمية والأدبية والإنسانية والاجتماعية والصحية والهندسية والشرعية.. وبعد أن أمضيت ثماني سنوات في العمل الإعلامي التلفزيوني متنقلاً بين لبنان وليبيا وإسطنبول.. جلست أفكر ماذا لو كنت أعمل في تخصص آخر الآن بدل من كوني إعلامي أعمل في الإنتاج التلفزيوني، وطار فكري بين التخصص والآخر وبين الهزل والجد لأسطّر بعض التخصصات التي لو كنت بها ما الحال التي سأكون عليه منطلقاً من مجتمعي الذي يعطي أهمية كبيرة للدكتور "د." والمهندس "م." وسماحة الشيخ بدون اختصار.

لو كنت شيخاً لأحببت أن تصل الأفكار المطروحة للمسلمين الحاضرين في المسجد بكل شرائحهم بطريقة سلسة ودون ملل أو عنف.. ويتحول الكلام إلى خطوات جادة للتغيير.

أولاً: ماذا لو كنت مهندساً؟ سأكون غالباً مهندساً زراعياً لأنني ابن قرية بالدرجة الأولى، ووالدي -رحمه الله- كان يحب أن يرى ولده الوحيد الذي يدخل الجامعة مهندساً زراعياً، المهم لو كنت كذلك لرأيتني اليوم أملك أرضاً في منطقة عكار، أهتم بزراعتها بأساليب حديثة ووسطها يكون منزلي القروي المريح الذي لا ترى منه حجراً ولرأيت الخضار والأزهار أينما وجهت نظرك، ولخصصت قطعة أرض خاصة لكل موسم وزاوية خاصة وزرعت من كل أنواع الثمار التي تعيش في تلك البيئة، وجعلت من البستان مقصداً للعائلات والأشخاص الذين يحبون الأطعمة العضوية ليقوموا بقطاف ما يشتهون بأيديهم ويشترونها بأسعار تناسب السوق.
 

ولكان لبستاني هذا صفحته الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي ولروجت له كأحد الأماكن البيئية السياحية التي تقصد للسياحة والزيارة بشكل دائم طوال أيام السنة. قد تكون حياتي هنا محدودة بين الأشجار والأرض والأسمدة والمنزل، وقد تنعدم حياتي الاجتماعية لا شيء سوى لأن حياة المهندسين غالباً هكذا خصوصاً إن ما أضيف لها نفس قروي.

ثانياً: ماذا لو كنت طبيباً؟ لكنت اختصاصياً في أمراض الكلى غالباً لأن والدتي -حفظها الله- كان لديها مشكلة في الكلى، ولكنت الآن في إحدى المستشفيات بدوام رسمي روتيني أحاول العمل بإتقان، وإضافة لذلك بدل أن أفتح عيادة خاصة؛ لقمت بإنشاء تطبيق للهواتف الذكية متخصص في أمراض الكلى ينشر آخر العلاجات ويستعرض العوارض، وفيه باب للإستفسار عن أي موضوع يتعلق بذلك، إضافة إلى قائمة بأسماء الأطباء المتخصصين بذلك في لبنان مع أرقام الهواتف وأماكن العيادات وغيرها، ولقمت بإطلاق حملات للتوعية من مخاطر المرض مستخدماً كل الوسائل المتاحة من برامج تلفزيونية ومواقع تواصل ومناسبات اجتماعية لذلك.

ثالثاً: ماذا لو كنت شيخاً عالماً في الشريعة؟ لا أتخيل نفسي أنني أعطي دروساً عابرة ما بين الصلوات ولا إماماً في المساجد ولا موظفاً في الأوقاف ولا متحدثاً باسم مذهب ولست محسوباً على جهة سياسية حتى.. لاكتفيت أن أكون خطيب مسجد أخطب خطبة واحدة في الأسبوع وأعمل كل باقي الأيام عليها لأختصر أفكاري في 20 دقيقة، وأوليت اهتماماً بالصوتيات المستخدمة في المسجد لتكون صافية، جيدة، متطورة ودائمة التحديث ،لأنه وكما قال الشيخ أكرم خضر -رحمه الله- "طالما سيكون لدينا مشكلة في الصوتيات فلن يسمع أحد صوتنا".

أحب أن تصل الأفكار المطروحة للمسلمين الحاضرين في المسجد بكل شرائحهم بطريقة سلسة ودون ملل أو عنف.. ويتحول الكلام إلى خطوات جادة للتغيير بحيث تكون الخطبة عصارة لأساليب تعامل المؤمن مع ما يجري حوله في كل فترة، فسيكون همي أن لا ينام أحد وأن لا يتذمر أحد وأن يستفيد كل من يحضر وأن أكون صائباً في بحثي وفي رؤيتي وفي مقاربتي بين الشريعة والواقع.

أعيش حالياً في عصر التكنولوجيا والإعلام الجديد، أصبحت أشعر أنني أكثر من كوني مهندساً وطبيبياً وشيخاً.. فقد جمعت كل ذلك وأكثر في مهنتي "الإعلام".

قد تتحول الخطبة لبرنامج يتم عرضه أسبوعياً في مواقع التواصل الاجتماعي أو تبث مباشرة على إحدى القنوات.. وقد أستشير المتابعين لي في الموضوع الذي يريدونني أن أتحدث عنه في الأسبوع المقبل، على أن لا تكون الخطبة استراحة محارب من عمله بل تكون منحة له ينتظرها كل أسبوع.

أخيراً، قد تبعد الاخصتصات السابقة عن تخصصي الإعلامي إلا أنها لا تخلُ من روح الإعلامي الصغير لا لشيء؛ إلا أن وسائل الاتصال باتت بمتناول الجميع والكل منفتح على كل العالم.. وأنا أعيش حالياً في عصر التكنولوجيا والإعلام الجديد أصبحت أشعر أنني أكثر من كوني مهندساً وطبيبياً وشيخاً.. فقد جمعت كل ذلك وأكثر في مهنتي "الإعلام".


ففي حلقات من برنامج صباحي منوع يمكن استضافة اختصاصيين في شتى المجالات نقوم من خلالهم بجمع المعلومات عن الاختصاص وآخر ما توصلوا إليه فيه، لنقوم بالبحث والتحضير للحلقة من مواد متنوعة كالتقارير والأسئلة، ليجيب عليها الضيف الاختصاصي ونخزنها في أذهاننا قبل أن نضعها في متناول الجميع في مواقع التواصل الاجتماعي.
وللإجابة على العنوان الاستفهامي للمقال، فلو لم أكن إعلامياً متخصصاً لكنت إعلامياً في تخصصي الآخر..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.