وها أنا ذا بعد التخرج من كلية الإعلام وبعد أن توزع الأصدقاء من حولي ما بين التخصصات العلمية والأدبية والإنسانية والاجتماعية والصحية والهندسية والشرعية.. وبعد أن أمضيت ثماني سنوات في العمل الإعلامي التلفزيوني متنقلاً بين لبنان وليبيا وإسطنبول.. جلست أفكر ماذا لو كنت أعمل في تخصص آخر الآن بدل من كوني إعلامي أعمل في الإنتاج التلفزيوني، وطار فكري بين التخصص والآخر وبين الهزل والجد لأسطّر بعض التخصصات التي لو كنت بها ما الحال التي سأكون عليه منطلقاً من مجتمعي الذي يعطي أهمية كبيرة للدكتور "د." والمهندس "م." وسماحة الشيخ بدون اختصار.
لو كنت شيخاً لأحببت أن تصل الأفكار المطروحة للمسلمين الحاضرين في المسجد بكل شرائحهم بطريقة سلسة ودون ملل أو عنف.. ويتحول الكلام إلى خطوات جادة للتغيير. |
أولاً: ماذا لو كنت مهندساً؟ سأكون غالباً مهندساً زراعياً لأنني ابن قرية بالدرجة الأولى، ووالدي -رحمه الله- كان يحب أن يرى ولده الوحيد الذي يدخل الجامعة مهندساً زراعياً، المهم لو كنت كذلك لرأيتني اليوم أملك أرضاً في منطقة عكار، أهتم بزراعتها بأساليب حديثة ووسطها يكون منزلي القروي المريح الذي لا ترى منه حجراً ولرأيت الخضار والأزهار أينما وجهت نظرك، ولخصصت قطعة أرض خاصة لكل موسم وزاوية خاصة وزرعت من كل أنواع الثمار التي تعيش في تلك البيئة، وجعلت من البستان مقصداً للعائلات والأشخاص الذين يحبون الأطعمة العضوية ليقوموا بقطاف ما يشتهون بأيديهم ويشترونها بأسعار تناسب السوق.
ثانياً: ماذا لو كنت طبيباً؟ لكنت اختصاصياً في أمراض الكلى غالباً لأن والدتي -حفظها الله- كان لديها مشكلة في الكلى، ولكنت الآن في إحدى المستشفيات بدوام رسمي روتيني أحاول العمل بإتقان، وإضافة لذلك بدل أن أفتح عيادة خاصة؛ لقمت بإنشاء تطبيق للهواتف الذكية متخصص في أمراض الكلى ينشر آخر العلاجات ويستعرض العوارض، وفيه باب للإستفسار عن أي موضوع يتعلق بذلك، إضافة إلى قائمة بأسماء الأطباء المتخصصين بذلك في لبنان مع أرقام الهواتف وأماكن العيادات وغيرها، ولقمت بإطلاق حملات للتوعية من مخاطر المرض مستخدماً كل الوسائل المتاحة من برامج تلفزيونية ومواقع تواصل ومناسبات اجتماعية لذلك.
ثالثاً: ماذا لو كنت شيخاً عالماً في الشريعة؟ لا أتخيل نفسي أنني أعطي دروساً عابرة ما بين الصلوات ولا إماماً في المساجد ولا موظفاً في الأوقاف ولا متحدثاً باسم مذهب ولست محسوباً على جهة سياسية حتى.. لاكتفيت أن أكون خطيب مسجد أخطب خطبة واحدة في الأسبوع وأعمل كل باقي الأيام عليها لأختصر أفكاري في 20 دقيقة، وأوليت اهتماماً بالصوتيات المستخدمة في المسجد لتكون صافية، جيدة، متطورة ودائمة التحديث ،لأنه وكما قال الشيخ أكرم خضر -رحمه الله- "طالما سيكون لدينا مشكلة في الصوتيات فلن يسمع أحد صوتنا".
أعيش حالياً في عصر التكنولوجيا والإعلام الجديد، أصبحت أشعر أنني أكثر من كوني مهندساً وطبيبياً وشيخاً.. فقد جمعت كل ذلك وأكثر في مهنتي "الإعلام". |
قد تتحول الخطبة لبرنامج يتم عرضه أسبوعياً في مواقع التواصل الاجتماعي أو تبث مباشرة على إحدى القنوات.. وقد أستشير المتابعين لي في الموضوع الذي يريدونني أن أتحدث عنه في الأسبوع المقبل، على أن لا تكون الخطبة استراحة محارب من عمله بل تكون منحة له ينتظرها كل أسبوع.
أخيراً، قد تبعد الاخصتصات السابقة عن تخصصي الإعلامي إلا أنها لا تخلُ من روح الإعلامي الصغير لا لشيء؛ إلا أن وسائل الاتصال باتت بمتناول الجميع والكل منفتح على كل العالم.. وأنا أعيش حالياً في عصر التكنولوجيا والإعلام الجديد أصبحت أشعر أنني أكثر من كوني مهندساً وطبيبياً وشيخاً.. فقد جمعت كل ذلك وأكثر في مهنتي "الإعلام".
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.