شعار قسم مدونات

اللاجئون.. ثقافة الماضي وفرص المستقبل

blogs-Refugee
ينحدر المهاجرون الذين قدموا إلى أوربا مؤخراً من بلدان آسيوية أو أفريقية، تتسم بحرارة الطقس ومحدودية الفرص، والغارقة في الأزمات، والتي يجهد فيها الرجال والنساء في عمل حثيث يومي من أجل لقمة العيش، يقدمون من دول محطمة ومدن كبيرة رثّة لم تصل بعد إلى أن تحقق ذاتها، وتبني نظريةً حقيقةً مستدامة في الحكم، وتنشر الرفاه في المجتمع.
 

مع الانتقال إلى الضفة الأخرى من الأبيض المتوسط، نجد دولاً عريقة صناعية أسست نفسها وحققت ذاتها عبر الكثير من السنوات المتتالية والعمل المشترك، وأسست نظام ضرائب خاصاً بها وعنيت بالسلم الاجتماعي، وتقبل المجتمع بعضه البعض، وعدم وجود الرشوة أو "الواسطة" بغية اكتساب بعض المنافع، وهذا ما لم يعتد عليه معظم اللاجئين.
 

يحتاج الأمر لسنوات ربما لتقبل بعض الأمور الحضارية التي تختلف من مجتمع لآخر، أو على الأقل تفهم ذلك.

فمن الشوارع النظيفة، إلى العناية بالبيئة والحيوانات، فالباصات التي تأتي في مواعيد ممتازة، إلى التفكير العملي وعدم التمييز بين الناس على أساس البلد، إلى احترام الخصوصية، وعدم ضرب الأطفال، أضف لذلك عدم المقاطعة في الحديث والأشغال، وغيرها من العادات الاجتماعية التي قد لا تروق للاجئ الجديد.

إن النجاح في أوربا مُرتهن لتفهم اللاجئ لمجتمعه الجديد على أحسن وجه، والعمل من خلال هذه الفرصة الجديدة على تحقيق ذاته وصقل قدراته، وعدم الاكتفاء بمساعدات الدولة التي تكون زهيدة وغير كافية، ومعقدة الإجراءات، والرفض التام للعمل الأسود، والسعي لكسب العمل النظامي، لينطلق اللاجئ إلى مجتمعه الجديد ناشراً ثقافته ونوره في كل مكان يحط به، مستعيداً الدور الحضاري في بناء الحضارة الإنسانية، إذ أن الناس كلهم سواسية، لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بمدى حسن أدائه، وسيجد الكثير من العون من المجتمع المحلي، الذين يروق لهم من يتفهم حياتهم.
 

المجتمعات في أوروبا لا تعي أن لا يصافح الرجل المرأة، أو الذبح بالطريقة الإسلامية، مما يجعل الاندماج يحتاج إلى ثنائية في الاتجاه.

بين يدي اللاجئ عدد كبير من الرائعين والرائعات، علماء ودكاترة ومهندسون، رسّامون وطهاة، كانوا القدوة والمثال للاجئ الذي يستطيع تحدي الصعاب.

يحتاج الأمر لسنوات ربما لتقبل بعض الأمور الحضارية التي تختلف من مجتمع لآخر، أو على الأقل تفهّم ذلك، وذلك بدوره يوجب على المسلمين شرح ذلك لهم، بلغاتهم المحلية، ومما أعجبني شرح أحد السويديين -عبر فيديو نشر على الأنترنت مؤخراً- للذبح بالطريقة الإسلامية ومقارنتها مع ما يذبح في السويد، ليجد أنها واحدة، إذ في الحالتين يتم تهيئة الحيوان إما بالتخدير أو بتشريبه الماء، عدا التسمية والاتجاه للقبلة في الذبح في السويد.
 

إن القدوم لأروبا فرصة ممتازة للقادم الجديد أن يضمد جراحاته، ويعيد التفكير في مستقبله واغتنام الفرصة، وتعلم اللغات، وتأسيس الجمعيات والمدارس الجديدة، والشركات، وبين يدي اللاجئ عدد كبير من الرائعين والرائعات، علماء ودكاترة ومهندسون، رسّامون وطهاة، كانوا القدوة والمثال للاجئ الذي يستطيع تحدي الصعاب، والتأقلم مع واقعه والتركيز الشديد على ما ينفعه، والتأثير في حركة سير الحضارة، وتكوين علاقات اجتماعية مديدة وسعيدة.
 

هل يستطيع اللاجئون تفهم هذا الأمر؟، وهل تستطيع المجتمعات المحلية تجاوز بعض الصور النمطية، والاختلافات؟، هذا ما ستكشفه لنا الأيام..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.